ثقافة وفن

الحضارة العربية وتأثيرها في بلاد خراسان … الرحلة وسيلة من وسائل طلب العلم والمعرفة

| سارة سلامة

صدر عن دار العرب للدراسات والنشر والترجمة كتاب للأستاذ الدكتور رحيم هادي الشمخي بعنوان «الحضارة العربية وتأثيرها في خراسان»، ويقع الكتاب في 170 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على أربعة فصول: «العرب في خراسان وبلاد ما وراء النهر في العصر الأموي، وخراسان في العصر العباسي، وبغداد تستقبل علماء خراسان، والعلوم الأدبية واللغوية في خراسان».
نظراً لأهمية بلاد خراسان في المشرق وقربها من مراكز الحضارة العربية الإسلامية وتأثرها بهذه المراكز علمياً واجتماعياً وفكرياً، ما حدا بهذه البلاد أن تدخل في مناحي الحياة الفكرية العربية، والبداية كانت عندما ظهر دور القبائل العربية في خراسان وتوطين هذه القبائل بعد الفتح الإسلامي في الأمصار الجديدة فتوجهوا إلى خراسان فاتحين ومستقرين ونتج عن هذا الفتح والتوطين إسهام القبائل العربية في نشر الإسلام، والتعريب اللغوي، ودفع الآداب العربية المشعة بالروح العربية الإسلامية إلى آفاق بعيدة كل البعد عن صحراء العرب ومواطنهم الأولى.

ارتباط خراسان بالحضارة
وجاء في مقدمة الكتاب إهداء خصه الكاتب إلى كل الذين نشروا أبجدية الحرف العربي في ربوع العالم، وفجروا ينابيع العلم والمعرفة في بلاد خراسان علماً وأدباً وإشعاعاً من إشعاعات الحضارة العربية، ونشروا الحياة الفكرية في كل مناحي الحياة في المشرق، ليقرأ الإنسان العربي في هذا الزمن الرديء، كيف توافد العلماء وطلبة العلوم الدينية على الدراسة في بغداد في العصرين الأموي والعباسي حيث ارتبطت بلاد خراسان بالحضارة العربية عن طريق الرحلات التي سلكها طلاب العلم والمعرفة في بلاد وادي الرافدين، فكلما توغلت جذورنا في الماضي ازدادت زهورنا بهاء في الحاضر.

بلاد ما وراء النهر
واحتوى الفصل الأول الذي جاء بعنوان «العرب في خراسان في العصر الأموي»، متضمناً عدداً من المباحث، ومنها «بيئة خراسان وبلاد ما وراء النهر والجغرافية والنشاط الاقتصادي الذي تناول وضع بلاد ما وراء النهر التي كانت تعرف بالترك سكاناً لها، فالذين بالقرب من خراسان يقال لهم: الترك العزّية، وأهل فزغانة: الترك الخرخلية، أما أهل الصغد: فهم الترك الصغديون، ويفصل نهر جيجون بين هؤلاء الأقوام الناطقين بالفارسية، وقد يطلق على الأولين اسم توران، وعلى الآخرين اسم إيران نسبة إلى هيطل بن عالم ولمن دون النهر الخراسانيين نسبة إلى خراسان بن عالم، وأطلق أهل خراسان وبلاد ما وراء النهر على أنفسهم اسم الآريين في نحو الألف الثالثة قبل الميلاد بعد أن ظهر فيهم زرداشت صاحب الديانة الزرداشية، الذي ناصره الملك كشتاسب، وشنّ هو ورجاله حرباً لا هوادة فيها على مخالفيهم من العقيدة، وانخزل من الآريين شعبة اتجهت إلى الشرق عن طريق جبال الهندكوش، ونزلت حوض السند، ومنه اتجهت إلى شمال الدكن، وجنوب بلاد الهملايا، وخليج البنغال، وبحر العرب، وربما أطلقوا على مواطنهم ائيرينه ونجه، أي موطن الآريين، وهو أقدم مهدٍ للحضارة العربية الإيرانية.

الدراسة في العراق
أما الفصل الثاني فتناول به الشمخي موضوع «خراسان في العصر العباسي وجاء في أحد مباحثه فصل بعنوان «الدراسة في العراق» الذي ركز فيه على أن العلماء في ذلك الزمان اتخذوا من الرحلة وسيلة لاستتمام العلم، وإكمال المعرفة، فينهل العالم منهم من مكان نشأته، فيتثقف بثقافة بيئته، ويتعلم علم أهله وبلده وإقليمه، ومهما بلغت مكانة العلماء الذين تتلمذ على أيديهم فيعد علمه غير تام إلا بالرحيل إلى المراكز العلمية المعروفة، التي كانت متعددة في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، ومنها مدينة بغداد دار السلام، لقد كان العلماء تراودهم فكرة أن العلم لا وطن له وإيماناً منهم بأن طلب العلم لا نهاية له، والعالم مهما بلغ علمه وارتفع شأنه، فيسجد عند غيره معارف وفوائد أو زوائد، قد لا تكون عنده.
أهتمّ المسلمون بتدوين الحديث اهتماماً كبيراً، ولا نكاد نقرأ سيرة لمحدّث إلا ونجدها مقرونة برحلات عديدة، إذ يأخذ الثقاة من الرواة بعضهم عن بعض، فقد تميز أئمة العلم في الإسلام، ولاسيما أئمة الحديث بكثرة الترحال وملازمة الأسفار.

الرحلة في طلب العلم
وجاء الفصل الثالث بعنوان «بغداد تستقبل علماء خراسان»، الذي تناول فيه عدة مباحث منها «الرحلة في طلب العلم والمعرفة»، حيث تعد بغداد أحد أهم مراكز الجذب الثقافي في العصر العباسي فهي قبلة العلم والمعرفة ومنار للعلماء والأدباء يقصدونها من كل حدب وصوب، وكان لتشجيع الخلفاء العباسيين للعلم والعلماء إثر في إرساء قواعد الثقافة العربية فقد أصبحت بغداد صرحاً ثقافياً مشهوراً وتحولت إلى محلّ جذب العلماء من المناطق كافة، فهي حاضرة الخلافة العباسية، وقال عنها أبو بكر بن عياش: «العلم ببغداد أنها لصيّادة تصيد الرجال، ومن لم يرها لم ير الدنيا».
ونظراً لما تتمتع به بغداد من سمعة طيبة ومكانة مرموقة فقد كان من يدخلها يعدها وطناً له، فنقل الخطيب البغدادي قولاً للشافعي يذكر فيه «ما دخلت بلداً قط إلا عددته سفراً، إلا بغداد فإني عددتها وطناً».
ولمكانة بغداد المتميزة انتقل إليها العديد من العلماء من جميع البلدان القاصية والدانية بل إن الكثير قد فضلوها على أوطانهم فليس من أهل البلد إلا ولهم فيها محلة ومتجر ومصرف، وفيها من المميزات العديدة ما ليس في مدينة في الدنيا.

الأدب العربي
وفي الفصل الرابع تطرق الشمخي إلى العلوم الأدبية واللغوية في خراسان والذي تضمن بحث «الأدب العربي»، حيث حفل الأدب بالعناية والاهتمام في خراسان فقد حفلت هذه الفترة بأدباء أجلاء، ألفوا في فنون الأدب وبلاغته وتاريخه، وكان الأدب يحوي فروع اللسان العربي متداخلة، فكان المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته وهي الإجادة في المنظوم والمنشور على أساليب العرب ومناحيهم من شعر عالي الطبقة وسجع متساو في الإجادة ومسائل في اللغة والنحو مبثوثة في أثناء ذلك، متفرقة، يستقرئ منها الناظر معظم قوانين العربية، والمقصود بذلك كله لا يخفى على الناظر فيه، وعندما أخذ المسلمون في تفسير القرآن احتاجوا إلى ضبط معاني ألفاظه، وفهم أساليب العرب وأقوالهم وأشعارهم وأمثالهم، وفي ذلك يقول ابن خلدون: «الأدب هو حفظ العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف يريدون علم اللسان، والعلوم الشرعية، من حيث متونها فقط، وهي القرآن والحديث، وهكذا كان القرآن منبعاً لثقافة روحية وعقلية جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن