ثقافة وفن

مظاهر الإبداع في حل الأزمة الوطنية في الدولة العربية في العصور الوسطى .. معظم الحلول الوطنية في المشرق والمغرب كانت مفيدة وفاعلة على الصعيد الداخلي

| سوسن صيداوي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، كتاب من تأليف د. علي أحمد في واقع مئتين واثنتين وعشرين صفحة، احتوى على مقدمة وخمسة فصول، تحدث خلالها المؤلف عن حلول الأزمة الوطنية في العصرين الراشدي والأموي وفي العصر العباسي والمغرب الكبير وفي الأندلس وفي عصري الأيوبيين والمماليك.

في المقدمة
كثرت الأحداث التي واجهتها الدولة العربية في العصور الوسطى، وكانت في كثير من الأحيان بحاجة ماسة وسريعة لاتخاذ مواقف مناسبة تساعدها على تجنب المخاطر والخسائر في المجال الوطني والإنساني، وهذا إن دل على شيء في المقام الأول إنما يدل على عظمة الحكام الذين ساهموا في هذه المسألة الحيوية، أو الذين استجابوا لمقترحات الشخصيات الوطنية الحريصة على مصالح الدولة ورفع الضراء عنها.
وقد كانت معظم المواقف التي اتخذت للتقليل من الضرر في المسائل الوطنية والإنسانية، كانت إيجابية وصائبة ساعدت بصورة فعالة على التقليل من الخسائر والأضرار في كل المجالات، على الرغم من أن الكثير من حلول الأزمة الوطنية والسياسية، لم يكن لأصحابها حرية الاختيار في تنفيذه والإقدام عليه، بمعنى أن الكثيرين ممن أقدموا على هذه الحلول، أقدموا عليها ونفذوها لأنها كانت الخيار الوحيد أمامهم، حتى يتجنبوا المزيد من الخسائر البشرية والمادية على حد سواء. وحول هذا الموضوع قال المؤلف «وهنا ينبغي أن نلفت الانتباه إلى أن مسيرة حلول الأزمة الوطنية، لم تكن مقبولة من مجموعة كبيرة من الذين حكموا المنطقة العربية في المشرق والمغرب، وحدث ذلك بوجه خاص في الفترات التي ابتعد خلالها العرب عن مواقع القيادة والحكم، لأن الغرباء من سلاجقة وأكراد ومماليك، لم يكونوا يهتمون بحلول الأزمة الوطنية على الإطلاق، وكان كل اهتمامهم يتركز في إنجاز أحلامهم ومصالحهم الخاصة، فقامت الحلول الوطنية في أيامهم بالكلية، على الرغم من وجودهم في رأس الحكم في أوقات الوجود الفرنجي في أماكن مهمة من بلاد الشام».

ازدهار الحلول الوطنية
ازدهرت مسألة إيجاد الحل الوطني وظهرت بقوة، حينما كانت السلطة بأيدي العرب يحدوهم في ذلك الحفاظ على أوطانهم ووجودهم، وأضاف د. علي أحمد: «وحينما لم يكونوا في الحكم فإنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فكانوا يجدون الذرائع ويتسقطون حدوث اللحظة المناسبة، كي يشيعوا وينشروا حلولهم الوطنية أملا منهم بألا يذوبوا في مشاريع الآخرين المتقاعسين، وقد حدث ذلك في عصر سيطرة الأيوبيين والمماليك في مصر والشام، حينما أُبعد العرب نهائياً عن أماكن الحكم والقيادة، لكنهم استطاعوا بحسهم الوطني الناضج أن يجبروا صلاح الدين الأيوبي على التحرك باتجاه بيت المقدس لتحريرها من الاحتلال الفرنجي، وساهموا بمعظم القوى البشرية والمادية التي صنعت انتصار حطين، لأن صلاح الدين لم يكن باستطاعته تأمين هذه القوى لولا مساهمة العرب في بلاد الشام ومصر، وكذلك فعل العرب في عصر المماليك وعلى كل الصعد على الرغم من عدم مشاركتهم في الحكم، وكان من أهم الحلول عندهم التركيز على الناحية العلمية، ودعم الحركات الوطنية التي كان باستطاعتها أن تنهي الوجود المملوكي في مصر والشام، فيما لو توافرت لديها البرامج والخطط والتنسيق بينها. هذا ومن اللافت أن معظم وجوه الحلول الوطنية في المشرق والمغرب، كانت مفيدة وفاعلة وأدت في كثير من الأوقات إلى تجنب الكوارث والخسائر، وخاصة ما كان منها على الصعيد الداخلي، ونقول على الصعيد الداخلي لأن معظم وجوه الحلول الوطنية لم ينجح على الصعيد الخارجي».

من التاريخ… أمثلة
استشهد المؤلف في مقدمة كتابه بالعديد من الأمثلة التي كان لها التأثير الأشد في النفس في العديد من الحقب الزمنية العصور، ومما ذكره «لعل أهمها وأشدها تأثيرا في النفس، ما حدث في أواخر العصور الوسطى حينما طلب عرب الأندلس معونة المصريين والسوريين، وكان الرد بعدم تقديم أي مساعدة لأن المماليك، لم يكونوا يهتمون بالوجود العربي بالأندلس ولا يعنيهم بقاء أو زوال هذا الوجود على الإطلاق. ومن ناحية أخرى فإن حل الأزمة الوطنية، كان مفيداً لغير العرب من كل الأعراق والجنسيات، وهم الذين عاشوا مع العرب في المشرق والمغرب، ووصل الأمر بالعرب إلى تخصيص حلول خاصة بغير العرب، وهو معاملتهم على قدم المساواة مع العرب في الحقوق والواجبات وبقية الأمور. وهذا ما حدث في عصور قوة الدولة العربية وازدهارها، كما في العصر الأموي وفي عصر الإمارة والخلافة الأموية بالأندلس، وفي عصر الدولة الفاطمية في المغرب الكبير والأندلس. وكان الأساس لهذه الحلول الوطنية والإنسانية المتقدمة، هو ما كان قد ساد من حلول وطنية واقتصادية وسياسية وإنسانية في عصر الرسول الكريم والخلفاء الراشدين، حيث سار العرب على منوالها ونهجها، حينما كانوا أصحاب القرار والتصرف».

تساؤل مهم
في نهاية المقدمة طرح الدكتور علي أحمد تساؤلا: «هل يستفيد عرب هذه الأيام مما جرى على هذا الصعيد الحيوي في العصور الوسطى، وينتقلون من مرحلة التناحر والتقاتل والتدابر والخلاف، إلى حياة جديدة تحكمها حلول وطنية متقدمة، تتكون من مواد نافعة ومفيدة مثل المحبة والتعاون والتضحية والفداء وضرورة صنع مجد جديد، ينقل أمة العرب من أمة تابعة خاملة إلى أمة قوية فاعلة في وجودها وعملها وتأثيرها في الآخرين. فإذا لم يفعل العرب ذلك في المستقبل المنظور، فإنهم سيذوبون ويغرقون في بحار ومحيطات الأقوياء، وسيبقون على هامش الشعوب المتحضرة، التي بدأت تستخدمهم في خدمة مصالحها وأهدافها الوطنية الخارجية والداخلية، وخاصة منهم أصحاب الأموال والثروات».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن