ثقافة وفن

د. طيب تيزيني ينضم إلى مجمع الخالدين في دمشق … الطيب من أساتذة الفلسفة البارزين ومن رجال الفكر المعدودين..

| سارة سلامة

أقام مجمع اللغة العربية حفل استقبال للعضو الجديد الدكتور محمد طيب تيزيني حيث تم تقليده الشارة المجمعية في قاعة المحاضرات بالمجمع.
والدكتور تيزيني من مواليد حمص 1934حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1967 أولاً والدكتوراه في العلوم الفلسفية ثانياً عام 1973 من ألمانيا عمل في التدريس في جامعة دمشق وشغل وظيفة أستاذ في الفلسفة واختير عام 1998 كواحد من مئة فيلسوف في العالم للقرن العشرين من مؤسسة كونكورديا الفلسفية الألمانية الفرنسية.
له ستة وعشرون كتاباً منها فصول في الفكر السياسي العربي ومن اللاهوت إلى الفلسفة العربية الوسيطة وآفاق فلسفات عربية معاصرة كما نشر مئات البحوث والدراسات حول قضايا الفكر العربي.
هجمة ثقافية غربية
واستهل رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور مروان المحاسني في كلمته القول إن «مجمعنا يعتز أنه أنشئ قبل نيف وتسعين عاماً للدفاع عن اللغة العربية في مواجهتها لهجمة ثقافية غربية تحاول إغراقها في سيول علمية هادرة تتناول جميع مكونات حياة المجتمع، فارضة نظرة جديدة على حياة الأفراد اليومية».
وأضاف المحاسني «إننا اليوم نستقبل الدكتور طيب تيزيني الأستاذ الجامعي المعروف المختص بالفلسفة، ذلك المجال الفكري الواسع الذي يرتع فيه عقل الإنسان في بحثه عن حقائق الأمور، إنها ساحة فكرية مفتوحة عرفنا تباشيرها عند السفسطائيين الذين حاولوا إيجاد أجوبة لكثير من التساؤلات، فأثبتوا عجزهم، وبقوا على تساؤلاتهم، إلا أنهم كانوا السابقين في جعلهم الإنسان مقياساً لكل الأمور، لكنهم لم يصلوا إلى ربط مكانة الإنسان بعقله وحريته، وذلك لأن أعظم المفكرين يبقون أسرى للرؤية الغالبة على زمانهم».
وأفاد المحاسني أن «اللغة العربية حملت إلى أوربا الغارقة في متاهات قرونها الوسطى فلسفة عميقة الجذور، مشرقة التعبير، توضّح للمفكرين فيها ما كان خافياً عليهم من المفاهيم الدقيقة في مؤلفات الفلاسفة الإغريق الأوائل، ومكنتهم ترجمة شروح ابن رشد لمؤللفات أرسطو أن يصلوا إلى لبّ مقولاته، وهي ترجمات أندلسية أجريت في طليطلة، وقد قدروا قيمة هذه الترجمات إلى اللغة اللاتينية التي كانت اللغة السائدة قبل تطور اللغات الوطنية المختلفة، فاعتمدوها وأطلقوا على ابن رشد لقب الشارح المتميز، وكانت فلسفة ابن رشد معروفة بإصرارها على التوفيق بين العقل والدين بعد أن اشتهر خلافه مع الغزالي مؤلف كتاب «تهافت الفلاسفة»، وقد ردّ عليه ابن رشد بـ»تهافت التهافت، وبقي تأثير الفلسفة الرشدية يتعاظم في المجالات الفكرية الأوربية، إذ إنّ كتبه بقيت تدرّس في الجامعات الأوربية حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي».

من المنتجين الكبار
وقدم الدكتور عبد الإله نبهان عضو المجمع سيرة ذاتية عن العضو الجديد وبسط السيرة الذاتية لتيزيني حيث قال: «الدكتور الطيب من أساتذة الفلسفة البارزين ومن رجال الفكر المعدودين ومن المنتجين الكبار للكتب الجادة الرصينة والدراسات والبحوث العميقة»، مضيفاً إن الدكتور تيزيني ولد في حمص القديمة بحي «جمال الدين» في باب الدريب عام 1936 في العاشر من حزيران، وقرأ القرآن وتعلم الحساب في كتّاب الشيخ عبد السلام، وتنقل الطيب في المدارس حتى نال درجة الشهادة المتوسطة، وبادر إلى الالتحاق بخدمة العلم التي أنهاها ونال خلالها الشهادة الثانوية، وتأثر بالجو الثقافي وبالعديد من الفلاسفة، وبعدها بدأ رحلته إلى جامعة دمشق، ومنها إلى أوروبا وانتهت بالاستقرار في ألمانيا وقرأ هناك ما استطاع من الموروث الفلسفي اليوناني والإنكليزي والفرنسي والألماني وأنجز شهادتي الماجستير والدكتوراة، وعاد بعدها إلى سورية عام 1968م، وهو يطمح إلى العمل في التدريس الجامعي في قسم الفلسفة، وبعدها جاءته فرصة لمتابعة التحصيل العلمي، وكان ذلك مناسبة لإنجاز أطروحة جديدة نال عليها شهادة «الأستاذية» وقد كلفه ذلك خمس سنوات من العمل».
وبين نبهان أن «تيزيني اتجه للعمل في جامعة دمشق على مشروع فكري واسع الآفاق، إضافة إلى عمله التدريسي، وبدأ مشروعه بكتاب أفصح فيه عن آفاقه الفكرية وسمّاه «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط»، وهو كتاب تضمن الأسس التي سيبني عليها كتبه اللاحقة، وأولها كتاب «من التراث إلى الثورة: حول نظرية مقترحة في قضية التراث العربي وهو كتاب ضخم، في حجمه الورقي، وفي حجمه الفكري».

الوطن العربي بحاجة لمجمعكم
ومن جانبه استهل العضو الجديد الدكتور محمد طيب تيزيني في كلمته بالحديث عن سلفه الراحل جورج صدقني حيث قال إن «تراث الراحل جورج صدقني يعني اكتشاف مادته من خلال ما ترجمه من أعمال فلسفية وذلك عبر تفكيكها واستنباط الدلالات والمعاني المغروزة فيها يداً بيد مع ضبط المرحلة التاريخية التي أنجز ذلك على امتدادها، مبيناً أن المرحلة الأولى التي عاش فيها تمثلت في الثلاثينيات من القرن العشرين حيث تأثر بالراحل الدكتور بديع الكسم وبكتاباته الفلسفية».
وأضاف تيزيني إن الراحل الأستاذ صدقني كان جاداً في علاقته مع اللغة العربية، ويرى كما يكتب الراحل الدكتور شاكر الفحام أن «اللغة العربية أداة الإفصاح والبيان في جميع ميادين المعرفة والحياة، تجاري اللغات العالمية، فتغنيها وتغتني بها، وقد تعززت هذه الفكرة عند صدقني بمزيد من القناعة، نظراً لامتلاكه اللغة الفرنسية، التي أوجدت فرصة للمقارنة بينها وبين اللغة العربية، وكان هذا دعماً للقول بأن دعاة «اللهجة العامية»، كلغة تقوم بما تقوم به الفصيحة العربية، وكذا الأمر فيما يتصل بالدعوات الأخرى مثل الدعوة إلى اللاتينية».
وأكد تيزيني في ختام كلمته أن «سورية والوطن العربي يحتاجان لمجمعكم الكريم وللمجامع العربية كلها، فعسى أن يكون هذا العمل المشترك طريقاً إلى أعمال مشتركة أخرى تجعل من البلدان العربية المشرذمة أقرب إلى التوافق والعمل المشترك، والوطن العربي يحتاج إلى ذلك العمل نظراً إلى أنه يقف، ثانية، أمام الخيار التاريخي الصعب بين الآن وبين ما يجب أن يكون».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن