قضايا وآراء

داعش.. والمرحلة الحرجة

| مازن بلال 

يقوم التحالف الغربي بضربات في سورية تترك تداعيات عامة لا تقتصر على الجانب الإنساني، فالضحايا المدنيون هم البوابة لرؤية دور «التحالف» في مجمل العملية السياسية في المنطقة، وإذا كانت داعش تمر بأصعب أيامها على الإطلاق فإن العمليات العسكرية بقيادة واشنطن هي أيضاً في مرحلة حرجة، وضمن واقع تنافسي في فرض الإرادة مع روسيا التي تسعى لقيادة تحالف إقليمي في المنطقة، وترسم نموذجاً في العلاقات لشرقي المتوسط يشكل «جبهة» إن صح التعبير ويتناقض مع السعي الأميركي للتحكم بمفاصل الأزمات في الشرق الأوسط.
عملياً من المستبعد أن يتفكك التحالف الغربي نتيجة التطورات الحالية، أو بسبب الخلافات الحادة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأوروبا، لكنه في المقابل يتطور بشكل مختلف من خلال الاعتماد على لقاء جناحي الأطلسي في بريطانيا، وهو ما ظهر بوضوح في الجنوب السوري عبر محاولة إعادة إنتاج «الميليشيات المسلحة»، والتحرك لإغلاق الحدود السورية وصولاً إلى التصادم الذي حدث قبل أسابيع في البادية السورية، واستدعى اعتداءً أميركياً مباشراً على طلائع القوات السورية المتقدمة.
تكمن المشكلة اليوم في طبيعة التعاون الغربي، فإدخال الناتو في المعارك ولو عبر الدعم اللوجستي؛ لا يملك أرضية سياسية مشتركة، ولا يتعامل ضمن سياق واحد بين أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما يدفع واشنطن إلى التحرك عبر «قفزات» في عمليات التدخل في سورية، على حين تبدو أوروبا أكثر من متحفظة تجاه ما يحدث، فـ«التحالف الغربي» يواجه أمرين أساسيين:
الأول: اختلاف الرؤية من تأثير ما يحدث في سورية على العلاقات الأوروبية الروسية، فالعواصم الأوروبية ترى الأمر من منظور العلاقة بين موسكو وأوروبا وانعكاساتها على الأمن في مجمل «أوراسيا»، على حين تنطلق الولايات المتحدة حالياً من تجزئة الأزمة، وجعلها صراعاً إقليمياً الهدف منه كبح إيران فقط.
نجحت واشنطن في رسم ملامح لتحالف خليجي في مواجهة استحقاقات سياساتها تجاه إيران، ولكن هذه المواجهة المؤجلة ربما لا تقع إطلاقاً، والأهم أنها تشتت معظم الأدوار الإقليمية وتحاول تأسيس «أحزمة عسكرية» على حدود الدول عبر الصفقات الضخمة، على حين تحاول أوروبا النظر إلى مستقبل أمنها في ظل تطور الصراعات في جنوب وشرق حوض المتوسط عموماً، فالمسألة بالنسبة لها نجاح توازن الأدوار بين روسيا والولايات المتحدة؛ بغض النظر عن التخوف من إيران لأن المهم هو استيعاب الحالة الروسية بالدرجة الأولى.
الثاني: الرهان على خلخلة المنظومات الإقليمية والدولية السابقة، وهو ما يقوم به ترامب سواء من خلال الضغط على الناتو، أم عدم النظر نهائياً إلى منظومة الجامعة العربية حتى ولو كانت متآكلة، فالغرض النهائي هو «الترهيب» بفراغ عالمي نتيجة هذه الخلخلة.
ينشط التحالف الغربي اليوم عبر الضربات الجوية، ولكنه في المقابل لا يستند إلى «مؤسسة» واضحة المعالم مثل الناتو، وهو ما يرفع احتمالات المخاطرة بمواجهات متجددة وجانبية على هامش الصراع في سورية، فالمرجعية السياسية لأي تحالف عسكري ضد داعش تستند إلى حالة تنسيق وليس إلى مرجعية سياسية واضحة، وخطورة هذا الوضع تبدو في احتمالات التصادم المتقطع على الأرض السورية، وتهميش العمل السياسي في جنيف الذي أصبح روتيناً يصعب عبره الوصول إلى حل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن