سورية

تعقيدات تحيط بالمنطقة الجنوبية وملف المراقبين العسكريين … «أستانا 5»: تطمين روسي ضد التقسيم

| أنس وهيب الكردي

حددت روسيا موعد إجراء اجتماع «أستانا 5» منتصف شهر حزيران الجاري، على حين تولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبديد الانطباع لدى بعض الدول بأن إقامة مناطق تخفيف التصعيد في سورية من شأنه أن يؤدي إلى تقسيم البلاد.
وأعلن سفير سورية لدى روسيا رياض حداد، أن وفد الجمهورية العربية السورية تلقى دعوة للمشاركة في محادثات أستانا حول سورية التي ستعقد الأسبوع المقبل. ونقلت وكالة «سبوتني» للأنباء عن حداد، قوله على هامش مشاركتها في أعمال منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي: «تلقينا الدعوات للمشاركة في محادثات أستانا التي ستعقد في 12- 13 من الشهر الجاري».
وسيتأثر لقاء «أستانا 5» بجملة من التحولات التي شهدها المشهدان السوري والإقليمي مؤخراً. فاللقاء يعقب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة وخطابه الحاد تجاه إيران، وتصاعد التوتر التركي الأميركي بسبب قرار واشنطن تسليح مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية وإطلاق عملية الرقة من دون الأخذ بالهواجس التركية بعين الاعتبار. كما يأتي اللقاء وسط تصاعد الأزمة الخليجية بين الإمارات والسعودية من طرف، وقطر من طرف ثاني، إضافة إلى كثرة المؤشرات على توتر أميركي روسي في شرق سورية سببه مساعي أميركا وحلفائها في «قوات سورية الديمقراطية – قسد» لإنهاء وجود تنظيم داعش في الرقة عبر فتح ممر آمن لمسلحيه إلى تدمر ما من شأنه التأثير على المعادلة العسكرية الميدانية في وسط سورية، فضلاً عن تهديدات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، للجيش العربي السوري وحلفائه بعدم الاقتراب من منطقة التنف، وقصف طيران التحالف لموقع عسكري سوري قريب.
ستدفع هذه العوامل مجتمعةً، الدول الضامنة لعملية استانا (روسيا- إيران- تركيا) إلى زيادة الجهود المشتركة من أجل التوصل إلى اتفاق جديد فيما بينها، للمحافظة على زخم العملية وإبقائها متصاعدة.
وقد يتبنى الاجتماع المقبل الخريطة النهائية لـ«مناطق تخفيف التصعيد» الأربع المنصوص عليها في المذكرة الختامية لـ«أستانا 4»، وتحديد حدود المناطق الأمنية.
مع ذلك، تقف عدة تعقيدات من شأنها أن تحد من نتائج لقاء «أستانا 5»، فمن غير الواضح ما إذا كانت الخريطة التي عمل خبراء الدول الضامنة على تنسيق أبعادها مؤخراً، ستشمل المنطقة الجنوبية (درعا – القنيطرة)، حيث تشهد الأوضاع هناك توتراً محموماً ما بين الجيش السوري وحلفائه والمسلحين المدعومين من أميركا والأردن.
وحتى الآن، لم يتمكن خبراء روسيا وأميركا العسكريون والدبلوماسيون الذين عقدوا اجتماعات في العاصمة الأردنية عمان، من التوصل إلى تصور مشترك بخصوص حدود المنطقة الجنوبية. وتشارك أميركا في عملية أستانا بصفة مراقب، لكنها ليست طرفاً في الاتفاقيات الناتجة عنها، كما أنها لم تشارك في اجتماعات خبراء الدول الضامنة التي شهدتها طهران وأنقرة. وتعارض الولايات المتحدة أي دور عسكري لإيران في سورية.
وفي الطريق إلى «أستانا 5»، لا يبدو أن العقبات أمام ملف الرقابة على نظام وقف إطلاق النار قد جرى تذليلها سواء جزئياً أو كلياً. فبحسب المذكرة التي وقعها ممثلو روسيا وإيران وتركيا، في العاصمة الكازاخية أوائل الشهر الماضي، ستنتشر فرق المراقبة العسكرية في المناطق الأمنية للرقابة على نظام وقف إطلاق النار. وتريد روسيا تشكيل هذه الفرق من عناصر شرطتها العسكرية الذين أثبتوا فعالية كبيرة للغاية على الأرض السورية، خصوصاً في شرق حلب وحي الوعر، على أن ترسل كل من الجزائر، مصر والأردن عناصر من قواتها إلى سورية أيضاً. وتبدي روسيا إشارات إلى أنها تفكر بدور خاص للولايات المتحدة في الرقابة العسكرية على وقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية.
ونتيجة للتعقيدات الماثلة، لا يتوقع أن يخرج لقاء «أستانا 5» بأكثر من «إعلان عام» بخصوص قوام فرق المراقبة، تشكيلتها، كيفية تأديتها لمهامها. فلم يرشح عن زيارة وزيري الدفاع الروسي سيرغي شويغو والخارجية سيرغي لافروف إلى القاهرة أي تطور يذكر بخصوص إرسال مصر عناصر من قواتها إلى فرق المراقبة هذه. بل يبدو أن مهمة الوزيرين الروسيين اصطدمت بجدار من القلق أعرب عنه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيظ، من تحول مناطق تخفيف التصعيد إلى مدخل لتقسيم سورية، خصوصاً في ضوء تصاعد التوتر ما بين واشنطن وموسكو.
وأقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود «مخاوف» من احتمال تحول مناطق تخفيف التصعيد إلى «نماذج لتقسيم البلاد في المستقبل»، لكنه أشار إلى أن روسيا تأمل ببدء شيء من الحوار أو التفاعل بين تلك المناطق والحكومة المركزية في دمشق، على أن تعيد سورية وحدتها، وضرب مثلاً على ذلك، «بعض الجيوب» التي تخضع لسيطرة المسلحين قرب دمشق، حيث «يذهب الناس للعمل منها إلى دمشق كل يوم ويرجعون إلى منازلهم».
من جهة أخرى، قد تعترض أنقرة، على إرسال قوات مصرية إلى سورية، وبالأخص إلى المنطقة الأمنية حول إدلب، في حين تعلق طهران موقفها من وجود قوات أميركية في سورية على موافقة الحكومة السورية.
أخيراً، سيلقي تصاعد التوتر ما بين القطريين والسعوديين بظلاله على مشاركة المعارضة المسلحة في لقاء أستانا المقبل. مع ذلك تعول روسيا، حسبما أعلن مبعوث رئيسها إلى الشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف، على قيام تركيا بالعمل بشكل مكثف مع المعارضة السورية قبيل لقاءات أستانا وجنيف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن