ثقافة وفن

كيف قتل الفرنسيون العريف عبد اللـه باش إمام وفصلوا رأسه عن جسده؟

| شمس الدين العجلاني

ارتكب المستعمر الفرنسي لبلادنا «1920-1946» أفظع الجرائم بحقنا وبحق تراثنا وحضارتنا وشبابنا، ومجزرة البرلمان السوري عام 1945م، تعتبر الحادثة الإرهابية الوحيدة في العالم التي تم من خلالها تدمير مبنى البرلمان وقتل أفراد حاميته، فلم نسمع ولم يسطر التاريخ وحشية ارتكبت تماثل مجزرة البرلمان السوري.
لقد قتل الفرنسيون نحو 28 فرداً من حامية البرلمان ومثلوا بجثثهم، وصبوا عليها البنزين والكلس وأحرقوها! وحاولوا دفن الجثث في قبر جماعي في «قرية» المزة.
ومن أفظع جرائمهم قتل العريف البطل عبد اللـه برهان باش إمام! لقد قطعوا رأسه لأنه رفض تحية العلم الفرنسي!

المجزرة الفرنسية
في الساعة الخامسة والدقيقة العشرين من ظهر يوم السبت الواقع في السادس والعشرين من أيار عام 1945 اجتمع مجلس النواب علنا برئاسة نائب الرئيس الأول محمد العايش وعضوية أميني السر سليمان الأحمد ويوسف آليان وحضر هذه الجلسة رئيس الوزراء بالوكالة ووزير الخارجية والدفاع جميل مردم بك وعدد من الوزراء وناقش النواب الأوضاع التي وصلت إليها البلاد السورية، والإجراءات التي اتخذها المستعمر الفرنسي والبلاغات التي أصدرها الجنرال اوليفار روجيه. ورفعت الجلسة إلى يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من أيار.
في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29/5/1945 وجه الجنرال اوليفار روجيه إنذارا إلى رئيس المجلس النيابي سعد اللـه الجابري يطلب منه أن تقوم حامية مجلس النواب بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار الأركان الفرنسية التي كانت قائمة مقابل مجلس النواب، رفض رئيس المجلس الإنذار وأوعز إلى قائد الدرك بألا يستجيب لهذا الإنذار، وفي الساعة الخامسة والنصف اتصل رئيس حامية المجلس بقائد الدرك العام ليخبره أن الفرنسيين طوقوا المجلس بالمصفحات والدبابات، في الساعة السادسة والدقيقة الخمسين بدأت القوات الفرنسية والمشاة السنغال بالاعتداء على مجلس النواب، وكان ما كان ودمرت أجزاء كبيرة من المجلس واستشهد القسم الأكبر من حامية المجلس ونجا من نجا، هذا باختصار سرد سريع لوقائع الاعتداء على مبنى مجلس النواب السوري من قوات الانتداب الفرنسي.

من الشهيد عبد اللـه باش إمام؟
هو شهيد البرلمان السوري العريف الدركي عبد اللـه برهان باش إمام!؟ ابن كامل «وقيل ابن حسين» باش إمام، مواليد دمشق عام 1912م، مسقط رأسه في حي سوق ساروجة حارة القرماني، وسوق ساروجة من أعرق أحياء دمشق خارج السور، وعائلة باش إمام هي عائلة ذات جذور دينية، ومعناها رئيس الأئمة أو كبير الأئمة، هذه العائلة من أعيان سوق ساروجة ومعروفة حتى الآن. انتسب إلى السلك العسكري بناء على رغبة والده للحفاظ والدفاع عن الوطن ويقول شقيقه صياح عام 1958م: «دخل سلك العسكرية تحقيقاً لرغبة والدي الذي كان يؤمن بأن العسكرية هي خير مدرسة للرجولة»، لم يتزوج الشهيد عبد اللـه واستشهد داخل البرلمان السوري في أبشع فعل إرهابي على يد القوات الفرنسية وعمره لم يتجاوز 33 عاماً.

الشهيد يودع أهله
يروي صباح باش إمام شقيق الشهيد اللحظات الأخيرة من وداع شقيقه:عندما فكرت الحكومة الوطنية بإحداث مخفر خاص للمجلس النيابي، انتدب أخي لرئاسة هذا المخفر، وطبعاً قبل وقوع العدوان كان الفرنسيون يقومون بحوادث استفزازية، كان مركز القيادة الفرنسية مقابل البرلمان تماماً، فاخذ الضباط الفرنسيون يتذرعون بأن رجال الدرك الذين يحرسون البرلمان لم يحيوا العلم الفرنسي أثناء رفعه في الصباح، فوجهوا لهم إنذاراً يقولون إنهم إذا لم يحيوا العلم في المساء عند إنزاله فسيطلقون عليهم الرصاص، في البيت خلع ملابسه وارتدى الملابس العسكرية وأزال شارات الرتبة وعند الباب سأله والدي كيف الحال اليوم؟ قال له اللـه يسترنا، ثم أخبره بأمر الإنذار من أجل تحية العلم. قال له والدي: حاول يا ابني ألا تؤذي أحداً وبعد ذلك كل ما سيجري هو مقدر من الله. وبعد استشهاد عبد اللـه باش يقول شقيقه صباح: «أما والدي رحمه الله فقد رفض استلام جثة أخي وقال لهم: حتى لو كان ابني فمادام قد استشهد مع رفاقه فيجب أن يبقى معهم وأن يدفن معهم».

رواية محمد مدور
لقد اجتمع عدد من قوات المرتزقة السنغال التابعين للمحتل الفرنسي حول الشهيد وطلبوا منه تحية العلم الفرنسي والرئيس ديغول وحين رفض الشهيد بإصرار، قام أحد المرتزقة السنغال بقطع رأسه بضربه بـ«ساطور».
يروي الشهيد الحي محمد مدور الذي نجا من مجزرة البرلمان في حديث صحفي عام 1958م فيقول: «اقتحم الفرنسيون البرلمان، وأمامهم الجنود السنغال، وخلفهم الدبابات، وكانوا إذا سقط أحدنا في أيديهم أسيراً طلبوا منهم أن يقول: عاشت فرنسا وعاش ديغول، حتى يبقى حياً! ولا أنسى منظراً رهيباً، لقد كان في إصبع أحد الجنود الذين كانوا معنا خاتم ذهبي ثمين. فطلب منه جندي سنغالي أن يخلعه، ولكن الجندي لم يستطع خلعه لصغره فضربه السنغالي بالسلاح على زنده فقطع له يده وصارت الدماء تصعد من يده كنافورة المياه، وقفز الجندي صارخاً، فما كان من السنغالي إلا أن صوب نحو بطنه الرشاش وافرغ فيه رصاصاته فانثنى الجندي وأسلم الروح!
وبدأ الجنود الفرنسيون يزحفون إلى أعلى البرلمان يريدون إنزال العلم السوري، وفي زحفهم صادفوا العريف عبد اللـه برهان باش إمام وكان على رأسه الخوذة، وقد فرغ ما معه من رصاص ورفع يده يريد الاستسلام وقال له الضابط الفرنسي:
– ​ماذا تفعل هنا؟
-​ أنا رئيس قوة الحرس.
-​ وأين جنودك؟
-​ قتلتموهم، إنهم جثث مبعثرة أمامك.
-​ قل: عاشت فرنسا وعاش ديغول.
ورفض العريف عبد اللـه أن يحيي فرنسا وديغول رغم إنذاره بالقتل، فأحاط به السنغال من كل جانب وضربه أحدهم بساطور في يده، كانوا قد حطموا به الباب، ففصل رأسه عن جسمه. وظننت أنا أول الأمر أن خوذته هي التي وقعت على الأرض. ولكنني عندما شاهدت جثته تزحف عدة خطوات وتقف والدماء كالتيار المتدفق تسيل منها كدت أموت لهول المنظر وأفقد الوعي والشعور..».
وبقيت آثار دماء الشهيد عبد اللـه لفترة من الزمن على الباب الخارجي للبرلمان، وهنالك عدة صور تاريخية نادرة تظهر آثار دماء الشهيد.
رواية محمد نعيم عناية
محمد نعيم عناية هو أيضاً من حامية البرلمان السوري الذين نجوا من المجزرة ويقول في حديث لمجلة الجندي عام 1958م: «لقد شاهدتهم وهم يفصلون رأس زميلي عبد اللـه برهان باش إمام عن جثته».

رواية إبراهيم الشلاح
يقول شاهد عيان آخر هو الشهيد الحي إبراهيم إلياس الشلاح: «دخلوا إلى مبنى المجلس فوجدوا السيد عبد اللـه برهان بن حسين باش إمام فأخرجوه وسألوه عن بقية الأفراد، فقال قتلتموهم اللـه يقتلكم فصاح الجنود تحيا فرنسا فقال فلتسقط فرنسا فما كان من أحد الجنود إلا أن قطع رأسه بضربة ساطور فتدحرج رأسه على الأرض ونفر الدم على باب المجلس ولا يزال أثره موجوداً، وخطا خطوة ونصف الخطوة من دون رأسه ثم سقط على الأرض وكان بدني يقشعر من هول هذه المناظر الوحشية».

وبعد
هذا نموذج عن مجزرة مجلس النواب التي ارتكبتها فرنسا! ترى ألا يذكرنا ما قامت به فرنسا بالأمس بما تقوم به اليوم من أعمال إرهابية ضد الحجر والبشر في بلادي؟ أليست هي من يزوّد ويحرض ويدعم الإرهاب والإرهابيين بكل الوسائل لتدمير بلادنا؟
المطلوب منّا كأشخاص ومنظمات وجمعيات، بل كحكومة ومجلس الشعب أن نوثق جرائمهم بالأمس واليوم ليعلم أبناؤنا وأحفادنا اليوم وبالأمس البعيد والقريب جرائمهم وإرهابهم، ليعلم أولادنا وأحفادنا بطولات رجالاتنا وأن سورية هي بلاد الشمس التي لا تغيب.
أيها القلم قاوم، أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك، ونحن قادمون، مقاومون، منتصرون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن