قضايا وآراء

واشنطن: مناورة وتلكؤ متعمدان؟

| صياح عزام

إن المراقب أو المتابع لموقف الولايات المتحدة الأميركية من مسألة الإرهاب الذي تدعي محاربته يلاحظ بوضوح، أن ضرباتها سواء كانت غارات جوية أم إنزالات برية لم تؤثر فيه، وخاصة تنظيم داعش، منذ ما يقرب من خمس سنوات تقريباً، بدليل أنه لم يكتف بجرائمه في سورية والعراق وبلاد عربية أخرى، بل أصبح يضرب في أوروبا بين الحين والآخر، وكأن واشنطن تحتاج إلى عقود لهذا الغرض! وقد سبق للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن نوه بذلك عندما صرح بأن الحرب على الإرهاب قد تستمر ثلاثين عاماً.
لا شك في أن الأميركيين، وخاصة الساسة والخبراء في مراكز الأبحاث الأميركية، لا يخفى عليهم أن الإرهاب هو فكرٌ وعمليات ميدانية، وأن التصدي له، يجب أن يسير في اتجاهين: اجتثاث هذا الفكر، ثم استخدام القوة العسكرية والأمنية، إلا أن المسؤولين الأميركيين يتجاهلون هذا الأمر.
إن العالم كله بات يعرف أن السعودية هي البلد الأول في العالم المنتج للإرهاب والمصدر له، إضافة إلى تمويله، فالمساجد داخل السعودية وخارجها، والأئمة المنتشرون في المدارس والمساجد التي بنتها في كثير من الدول وموّلتها؛ كل هذه الجهات، هي التي تنشر التطرف، إضافة إلى ذلك، أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة سعودي الجنسية، وإرهابيو 11 أيلول التسعة عشر كلهم سعوديون، ما عدا الجمعيات الخيرية التي لها باع طويل في تمويل الإرهاب، وكلها سعودية وقطرية وإماراتية وكويتية، ومعظمها يربط تقديم المساعدات بمن يحضر الخطب في المساجد ويرتدي، رجالاً ونساءً وأطفالاً، الزي الإسلامي.
رغم كل هذه الأمثلة والشواهد التي تؤكد أن السعودية هي منبع الإرهاب، تبنّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الموقف السعودي الذي يتهم إيران وحزب اللـه بالإرهاب، السبب في ذلك معروف، وهو أن المليارات السعودية التي قدمت له أثناء الزيارة، والعقود والصفقات المذهلة فعلت فعلها، ولا سيما أن عقله عقل تاجر قبل أن يكون عقلاً سياسياً.
إذاً، بات من الواضح أن واشنطن ليست معنية بالتصدي للفكر الإرهابي ومنتجيه ومموّليه، والأدهي من ذلك، أنها تتهم الدول التي تحارب الإرهاب فعلاً بأنها دول إرهابية مثل إيران، ومن ثم، إذا جاز القول إن الإرهاب في سورية والعراق انكمش قليلاً، فليس بفعل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بل بجهود الجيشين السوري والعراقي وتضحيات المقاومة الوطنية اللبنانية والقوى الرديفة الأخرى، ثم الدخول الروسي المباشر على خط محاربة الإرهاب في سورية.
إن التلكؤ في محاربة الإرهاب مُتعمد بهدف الاستثمار فيه.
أمر آخر مهم تجدر الإشارة إليه، وهو التدخل الأميركي ضد الجيش السوري الذي يخوض معارك شرسة مع داعش في بادية الحماد، وتصميمه على الوصول إلى الحدود السورية العراقية وإلى معبر التنف تحديداً، فما إن شعرت واشنطن بأن الجيش السوري يتقدّم بسرعة بهذا الاتجاه، حتى أمرت طائراتها بالإغارة على رتل للجيش السوري وحلفائه، وأخذت بتوجيه التحذيرات والإنذارات حول منع التقدم باتجاه هذا المعبر، مُعتبرةً ذلك خطاً أحمر لا تسمح بالاقتراب منه، إلا أن الجيش السوري وحلفاءه، إذا كانت مسألة هذا التقدّم قليلة، فهم لن يتراجعوا عن ذلك، بل ما زالوا يواصلون العمل لإيجاد الأجواء المناسبة لتحقيق السيطرة على هذا المعبر، وهذا حقٌّ لسورية يتعلق بسيادتها على أرضها وحماية حدودها.
لقد بات من الواضح أن التحشيد الأميركي البريطاني الأردني على الحدود السورية وباتجاه معبر التنف الحدودي، يأتي في إطار المساعي الأميركية لتقسيم سورية إلى عدة دول، منها دولة تحت الحماية الأميركية في البداية، بحيث تقطع الطريق البري بين العراق وسورية، بما يؤدي إلى قطع التواصل بين إيران وسورية وحزب الله، والتأثير لاحقاً في روسيا بسبب دورها في سورية وأوكرانيا وفي دول أخرى.
يتضح من خلال كل ما تقدّم أن الإدارة الأميركية غير جادة إطلاقاً في محاربة حتى داعش وليس الإرهاب بشكل عام، وأنها تسعى إلى تفتيت هذه المنطقة، إلا أنها لن تنجح في ذلك بسبب إصرار الشعوب والدول المستهدفة على المقاومة والدفاع عن نفسها مهما كلفها الأمر من تضحيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن