قضايا وآراء

تعددت الأسباب والمسبب واحد

| رفعت البدوي 

شهدت منطقة الخليج العربي توتراً غير مسبوق بين دول مجلس التعاون الخليجي جراء عاصفة هوجاء عصفت بالعلاقات بين السعودية والإمارات من جهة وبين دولة قطر، فانفجرت الخلافات بين تلك الدول عبر وسائل الإعلام المرئية والصحف المكتوبة وحتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووصفت بأنها الأعنف بين دول الخليج.
اللافت هو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكد ينتهي من جمع غلته من دول الخليج ونجاح مهمته في إخضاع عرب نفط الخليج إلى ما يشبه دفع الجزية التي تعد الأضخم في تاريخ العلاقات بين أميركا والمملكة السعودية، حتى انفجر تراشق الاتهامات المتبادلة بين دول مجلس التعاون الخليجي وعلى أوسع نطاق.
إن الهجمة الإعلامية المتبادلة بين الدول الخليجية كشفت للرأي العام العربي أموراً لا بد من التوقف عندها خصوصاً إذا ما أردنا اكتشاف الحقيقة التي تم التحضير لها في كل الساحات وعبر الشاشات خصوصاً مع بدء ما سمي الربيع العربي باستحضار آلة الفتنة ونبش ملفات كانت منسية وبسرعة لافتة وذلك بهدف فرض أجندات أميركية إسرائيلية تخريبية المراد منها تفتيت المجتمع العربي وتقسيم الجغرافيا العربية من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية لتبتلى شعوب المنطقة العربية بحروب لا تنتهي، وبذلك نكتشف أن الأرضية والأدوات كلها كانت مجهزة لإطلاق عنان الأبواق الإعلامية لتسعير نيران الخلاف والتقاتل والانقضاض على بعض الأنظمة العربية التي بقيت محافظة على الهوية والانتماء العربي وعلى اتجاه بوصلة تحرير الأرض العربية المحتلة من براثن العدو الإسرائيلي، وهذا تماماً ما واجه سورية العروبة على مدى الأعوام السبعة الماضية من خلال الإعلام الخليجي المسموم الذي أسهم إلى حد كبير في غسل أدمغة الشعوب وفي حرف الحقائق وتزوير المشهد بهدف تغشية الرؤى عند المواطن العربي وإصابته بالإرباك وعدم القدرة على التفكير وحتى التمييز بين عدو وحليف.
إننا نحاول أن نضيء الطريق القويم الذي تاه عنه المجتمع العربي وأضحى تحت رحمة اللغة الإعلامية الشرسة التي عطلت إمكانية الحوار وحجبت تلمس درب الحقيقة.
وإذا ما حاولنا الوقوف والتأمل مليا بالأسلوب المتبع في ممارسة الضغوط على دولة قطر، وقمنا بالمقارنة مع ما تعرضت له الدولة السورية مع بداية الأحداث فيها وقيام الإعلام الخليجي عموماً والقطري على وجه الخصوص، بتشويه الحقائق، لوجدنا أنه في كلتا الحالتين هناك شبه تطابق في الأسلوب المتبع، حيث تم تجهيز الأشياء والمواد المسمومة والملفقة في انتظار اللحظة المناسبة لشن الهجوم والتهشيم والانقضاض على الهدف المقصود.
ففي الحالة السورية مثلاً، طلب الأميركي تنفيذ أجندته بإغلاق مكاتب المقاومة فيها، وعندما رفضت سورية الانصياع للأجندة الأميركية الإسرائيلية، تم تصويب السهام على طائفة رأس الدولة في سورية وإطلاق الأبواق الإعلامية في لغة مقيتة مثل استخدام مصطلح «النظام العلوي»، أما في حالة قطر فقد فرضت أميركا تنفيذ أجندتها بطرد كوادر حركة حماس من قطر، لكن قطر حاولت رفض الطلب الأميركي الإسرائيلي، عندها أصدرت السعودية فتوى تسقط عن نظام قطر نسبه للإمام محمد بن عبد الوهاب، إضافة إلى إثارة مسألة استيلاء عائلة آل ثاني على الحكم بدلا من أبناء عمومهم، وإلى بث تسجيلات صوتية للأمير القطري الأب ووزير خارجيته بغرض تهشيم صورة الحكم في قطر.
إن الثابت هو أنه ممنوع على أي دولة عربية كانت أم إسلامية أو خليجية، دعم المقاومة للعدو الإسرائيلي أو الخروج عن الطاعة الأميركية التي أصدرت بدورها الأوامر بسحب قيادة البيدق من المتعهد الرئيسي قطر، لتسلمه إلى المملكة السعودية بعد هذا السخاء غير المسبوق الذي شهده العالم في قمة الرياض، وهذا ما أزعج قطر خصوصاً بعد تنحيتها عن الدور القيادي الذي قامت به سابقاً، مسهمة في قلب أنظمة عربية مثل ليبيا، وإسقاط رؤساء مثل ما حصل مع الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، وتجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية ومحاولة قلب النظام فيها.
نخلص للقول: إن أي دولة تتجرأ على معارضة الرغبة الأميركية فإنها ستجد كل المواد والعدة والتقارير جاهزة ومرتبة في غرف سوداء بانتظار الإشارة الأميركية للبدء في إطلاق عملية تهشيم صورة نظام البلد الذي تجرأ على أميركا بغض النظر عن موقعه وجغرافيته.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء انفجار الخلاف الخليجي، بيد أن الثابت هو أنه تعددت الأسباب والمسبب واحد أميركا وإسرائيل.
سواء أذعنت قطر للضغوط الأميركية أم رفضتها، فإننا نعتقد أن الهوة بين كل من السعودية والإمارات وبين قطر، لن تردم في الوقت القريب، بل إنها ستبقى مرشحة للتفاقم وربما تؤدي إلى تطورات لا تحمد عقباها وهنا يتبادر إلينا السؤال:
هل دخلنا مرحلة الانفجار الخليجي؟ وخصوصاً أن أميركا ستكون مسرورة لمشهد تفاقم الأزمة بين دول الخليج، على حين أن ترامب نجح في نهب الخزينة العربية وأدار التلفاز بانتظار مشاهدة نتائج الانفجار الخليجي الذي يبدو أنه سيكون عنيفاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن