ثقافة وفن

«سماء في قفص» مختارات شعرية للشاعر بيان الصفدي … العمر زهرةٌ تنام في الطريق وريقة… يابسة تخضرّ في عروقي

| سارة سلامة

صدر عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب مجموعة نثرية بعنوان «سماء في قفص» للشاعر بيان الصفدي، تضمنت عدة مختارات شعرية وهي: «ويطرح النخل دماً 1976، دقات القلب 1984، ما لا يعود 1998، جنة صغيرة 2002، كتابها 2011».
تعتبر هذه المختارات الشعرية لغة على درجة عالية من الخصوص، تذيقنا متعة بساطة العمق وعمق البساطة، وتوائم بين السؤال والجواب مواءمة منطق شعري يفسح لرؤياه أن تكون مولّدة رؤى، وإذ تستضيف هذه اللغة الخيال تستضيفه إلى ريشة وألوان ومجاز غاية في النقاء والصفاء، حتى ليشف العري عن القداسة، في إطار توقيع يحضر حضور ما يتناهى إليك قادماً على «رؤوس أصابعه»، كأنما يخشى أن تشغلك موسيقاه عن روح موسيقاه.
هذا بعض ما جاء في التقديم الذي ذكره الشاعر عبد القادر الحصني شاكراً بيان الصفدي لما تضيفه هذه المختارات إلى الشعر العربي من حداثة وأصالة وحرية، ومسؤولية.

البطل
المجموعة الأولى و«يطرح النخل دماً»، صادرة عن منشورات اتحاد الكتاب العرب عام 1976م بدمشق، وتضم عدة قصائد نثرية منها قصيدة «البطل»، ويبين الشاعر من خلالها التاريخ والدرب النضالي الذي نسير عليه معتبراً أنه خط رسمناه عبر الأجيال المتلاحقة ونُكمله إلى يومنا هذا فهو درب خالد لا يمكن أن يموت، حيث يقول:
تجري نحوك مثقلة
تلك الأنهار… تتهاوى بين يديك
ملايين الأطيار… فاستقبلها
وارفع أغلالك نحو الغابات
الراحلة الآن..
ونحو المطر الآتي
والإعصار
حرّك في أرض الفقراء
الحزن المجهد والغضب الخامد
والألم الموقوت
هذا درب صنعته الأجيال على مرّ التاريخ
فكيف يموت؟!
الشهداء

المجموعة الثانية بعنوان «دقات القلب»، وأيضاً هي صادرة عن منشورات اتحاد الكتاب العرب عام 1984م، وتحتوي على نصوص نثرية عدة ومنها قصيدة «الشهداء»، حيث يتحدث فيها عن الشهادة معتبراً كل شهيد سقط في الأرض صديقاً له، ومعرباً عن حزنه الشديد لرحيلهم ويتذكر كل تفصيل في المكان الذي غادروه ورحلوا، ويبين الصفدي أنه وعلى الرغم من رحيلهم إلا أن جراحهم بقيت، حيث قال:
الشهداء اليوم جاؤوني فهم أصحابي
شقوا برود الليل
طوّفوا
بكوا
تأملوني جيداً
ولم يقولوا كلمة واحدةً
شدوا على يديّ
ثم غادروا
وتركوا جراحهم على السرير
والحائط والكرسي والكتاب
أصواتهم أجراس قبة من الدم
تقرع في فمي
لقد مضوا وبابي
مشرّع، ومنه يأتي صوت خطوة تنأى
وصوت الريح والكلاب
الأيام

وتضمنت المجموعة الثالثة التي جاءت بعنوان «ما لا يعود»، وهي من منشورات وزارة الثقافة عام 1998م، على عدة نصوص نثرية ومنها قصيدة «الأيام»، حيث يصف فيها الصفدي مشوار العمر وتوالي الأيام مع ما تحمله من جديد مع كل طلعة فجر، فالعمر يمضي ويأخذ منه الكثير ولكن مع كل هذا فلا بد أن مع إطلالة وبزوغ الشمس هناك روح جديدة تسكن به وتعطيه الأمل لأن ينبض قلبه من جديد، ويقول:
العمر زهرةٌ تنام في الطريق
وريقة يابسة تخضرّ في عروقي
في خشب الأيام
في حريقي
وها أنا بالمخلب المدمّى
أقبض وجه الوقت كالغريق
وعندما تحلّ هذي الشمس شعرها
في أول الشروق
أملأ قلبي بالندى
أقول للصباح:
يا صديقي!

مرثية أبي
«جنة صغيرة» هذا هو عنوان المجموعة الرابعة وهي من منشورات وزارة الثقافة عام 2002م، وتضمنت عدة قصائد منها قصيدة «مرثية أبي»، وتشمل هذه القصيدة رثاء لوفاة الأب حيث نرى فيها توصيفاً لحاله بعد رحيل والده وهو في مقتبل العمر، والتغيرات التي طرأت على حياته فأصبح وحيداً لا يوجد من يحميه ولا من يقدم له العطف ويرافقه إلى المدرسة ويقيه من البرد، حيث يقول:
غداً يا أبي..
ولأول مرّه..
سأستيقظ والمدفأة مطفأة
وسأذهب إلى المدرسة
إلى صفيّ الأول
بلا «عروسه»
ولا لفحةٍ تلفّ رأسي..
ووسطي بإحكام
ولن يخاصمني أحد بعد اليوم
إذا لم أحتط للبرد
فيداك الدافئتان
بردتا.. إلى الأبد

لست مجنوناً
أما المجموعة الأخيرة فاختار لها الصفدي عنوان «كتابها» وهي من منشورات وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب عام 2011م، ويذكر في المقدمة بعض المقاطع من قصيدة طويلة ويقول: أتذكر منك العينين الحانيتين.. اللون الخمريّ.. أنين الوقت.. شميم العشب المخصلّ.. كواكب تهمي من أثواب تهوي.. شلال الشعر.. سحائب عطر تأخذ بي نحو الأعماق السحرية للنهر المتدفق من عري يتهادى.. قمر السرّة وهو يضيء الصبح.. النهد الغافي في مخمله.. ساقية العسل الذائب في نار الساقين السكري.. شبق الأرداف.. نثيث الأطراف الحرّى.. عبق الصدر كأني أقبض هذا الجمر الحارق والدافق من حوض امرأة تتعرى.
وتضمنت المجموعة على عدة قصائد نثرية ومنها قصيدة «لست مجنوناً»، حيث يصف فيها حالة الوله والحب التي يعيشها العاشق حتى بعده عن محبوبته، كيف تمرّ أيامه وهو يتأملها ويكلمها وأيضاً يغني لها وينتظرها إلى أن تعود، ويقول:
عندما أكلمك في وحدتي
لا.. لست مجنوناً
عندما أراك كل فجر
تحملين إليّ… الورد والنجوم والبحيرات
لست مجنوناً
عندما أغني لك
ولست مجنوناً
عندما أبكي تحت نافذتك البعيدة
حتى يسمعني الليل وحده

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن