قضايا وآراء

جنون ترامب والانحدار للهاوية

| عمار عبد الغني 

لا مكان للإستراتيجيات الثابتة والخطوط الحمر في عالم وصل فيه شخص مثل دونالد ترامب إلى قيادة أكبر دولة وأعتى قوة عسكرية، وفي ظل وجود حكام منفصلين عن الواقع في الخليج يتصرفون بثروات تقدر بمئات المليارات سنوياً.
ورغم الأجواء التي لمسنا في إرهاصاتها بوادر جنوح باتجاه السلام وإعادة الأمن والاستقرار إلى منطقتنا، إلا أن هؤلاء يمكن أن يأخذوا العالم إلى مسارات لا تخدم سوى مصالح أميركا وإسرائيل، وبعبارة أخرى فإن التعثر الحاصل في المرحلة الراهنة لا يمكّننا التنبؤ ماذا سيحدث غداً؟ لكن ما يمكن قوله: إننا في عالم أقرب إلى الجنون منه إلى العقل.
سيناريو تفرضه تطورات الأحداث في أكثر من منطقة، بداية من قلب الحدث سورية حيث اعتداءات تحالف واشنطن المزعوم لمحاربة الإرهاب الذي يضرب خبط عشواء، فمرة يستهدف المدنيين، وأخرى قواتنا المتقدمة باتجاه الحدود العراقية، مروراً بالعراق والعراقيل التي تضعها واشنطن لمنع جيشه من تحرير الموصل لإطالة عمر صنيعتها داعش، ووصولاً إلى ما يحدث في الخليج من تصدع في محور المصنعين والداعمين الرئيسيين للإرهاب، ومن تلك بالمجمل يمكن القول: إن الغاية منها بقاء النار مشتعلة ووضع العالم برمته على فوهة بركان.
بالأمس أثبتت واشنطن ذلك بالدليل القاطع عندما استهدف «تحالفها» مجدداً مواقع للجيش العربي السوري في منطقة الشحيمة على طريق التنف، وهذا التصعيد غير المسوغ على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، حذرت قيادة الجيش من تداعياته، على حين سارعت روسيا إلى دعوة مجلس الأمن لعقد جلسة عاجلة لبحث الأزمة المفتعلة واصفة الضربة الأميركية بالعدوان.
في المقابل، أعلنت الولايات المتحدة أنها استهدفت عمداً موقعاً لقواتنا المسلحة، ولم تدّعِ، كما كانت في السابق، بأن ذلك حدث عن طريق الخطأ، ما يعني أنها قد اتخذت القرار بإعلاء صوت الرصاص على لغة الحوار السياسي عبر توسيع دائرة الصراع البينية بين الدول العربية، وحتى التي كانت تدعي أنها بمنأى عن الاختراق، وهنا نشير إلى مجلس التعاون الخليجي الذي اعتقدت دوله أنها بعيدة عن الصراع، لتجد نفسها بين ليلة وضحاها، تحترق بالنار نفسها التي أشعلتها في سورية واليمن وليبيا والعراق.
ما تخطط له أميركا تدركه الدول المستهدفة وفي مقدمتها سورية وحلفاؤها، ولعل مسارعة روسيا إلى دعوة مجلس الأمن لعقد جلسة عاجلة حول العدوان الأميركي الأخير، هو لوضع العالم في صورة ما تقدم عليه واشنطن من حماقة، وأنها لو استمرت في ذلك فإنها تريد إشعال برميل البارود ووضع العالم على مشارف حرب عالمية ثالثة.
كثيرة هي الدول التي لا تريد الوصول إلى نقطة اللاعودة فالحرب كما أسلفنا بالحديث لا تخدم سوى واشنطن وتل أبيب، ومن ثم على هذه الدول وفي مقدمتها الدول الكبرى في أوروبا مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التي أملى ترامب طلباته عليها خلال قمة الناتو الأخيرة، أن تساعد روسيا في الأمم المتحدة لوضع حد لجنون الرئيس الأميركي الذي يتخذ قرارات مصيرية خلال سهرة عائلية مع ابنته إيفانكا وزوجته ميلينا، فالضرر الذي يتسبب به انتشار الإرهاب لن يتوقف عند حدود «الذئاب المنفردة» التي تضرب في باريس ومانشستر وبروكسل، ومن ثم لا بد من وضع حد لحال الانقياد الأوروبي للقرار الأميركي.
ننتظر اليوم ما سيحدث في مجلس الأمن لجهة ما سيكون عليه موقف فرنسا وبريطانيا، فإن واصلت بسياساتها التبعية لأميركا، فإن ذلك يعني مزيداً من اشتعال للنيران، وإن أعادت حسابتها واقتربت من الموقف الروسي، فهذا قد يلجم ترامب عن سياساته الرعناء، ويجنب العالم مخاطر الانحدار باتجاه الهاوية.
الأيام القليلة القادمة ستعطينا صورة أوضح عما ستؤول إليه الأمور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن