قضايا وآراء

الهجوم على طهران: المواجهة المباشرة

| عامر نعيم الياس 

تطور خطير على الساحة الإيرانية الداخلية، هو إنذار شديد اللهجة وتطبيق عملي لكل التهديدات وعملية الشيطنة التي استدعت توظيف إيران في كل ساحات الصراع في المنطقة، حتى في قطر تم الزج بإيران باعتبارها أساساً لعزل المشيخة الخليجية التي توجد على أرضها القيادة الأميركية الوسطى، وقاعدة «العديد» التي تعتبر أكبر قاعدة جوية أميركية خارج حدود الولايات المتحدة. استهداف لمرقد الإمام الخميني والبرلمان الإيراني، الرمز الأهم في الجمهورية الإسلامية وحامل هوية الثورة الإيرانية عام 1979، ورمز حكم القانون وسيادة الدستور في البلاد، يتعرضان لهجمات منسّقة مسلّحة وتفجيرات انتحارية، وزرع قنابل في محيطهما، والساحة هي وسط العاصمة طهران.
خرقٌ يعمل له ألف حساب في هذا التوقيت الذي يأتي بعد تهديد، من الواضح أنه لم يتم أخذه على محمل الجد، من جانب ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان في 2 أيار الماضي عندما قال حرفياً: «إن هدفنا هو نقل المعركة إلى داخل إيران»، لكن من الواضح أن ما جرى سيعيد تقييم حسابات جميع أطراف الصراع وخاصةً الجانب الإيراني الذي سيلجأ أولاً إلى معالجة هذا الخرق الأمني والاستسهال على المستوى الداخلي في مواجهة دول الخليج ومن ورائها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي غادرت استراتيجية الصبر في المنطقة، وتريد من الآن فصاعداً وفي مرحلة إنهاء داعش، الزج بإيران في المعركة بشكل مباشر.
منذ مجيء الرئيس ترامب إلى السلطة، اختلطت الأوراق على المستويات الدولية والإقليمية، فبات العالم في مواجهة رجل لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ستار للغامض الذي سيأتي في ضوء عدم القدرة على توقع الخطوة القادمة، وفي ضوء غياب الإستراتيجية الأميركية في العالم عموماً وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
التحرّك الأميركي في سورية والخليج وفي ساحتي اليمن والعراق، فضلاً عن شكل فريق الحكم الذي يحيط بالرئيس ترامب يؤشر إلى طبيعة المرحلة الحالية، خاصةً بعد نقل المعركة إلى طهران، وهو أمر لا يمكن فصله عن سياقه الإقليمي، وفي هذا الإطار يحيط ترامب نفسه بالجنرالات من وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ووزير الأمن الداخلي جون كيلي، وقد مر مرور الكرام توسيع الرئيس الأميركي لصلاحيات وزارة الدفاع في المنطقة وتسليم أمر العمليات وتقدير الموقف الميداني في سورية والعراق إلى وزير الدفاع وجنرالاته في المنطقة، وهنا يحضر البعد الإضافي للتطورات الحالية في المنطقة، التي سبقها قبل الهجوم في قلب العاصمة الإيرانية، تكرار استهداف الجيش السوري في محيط معبر التنف بحجة أنها منطقة عمليات أميركية في سورية، وهو ما يرسم إطاراً جغرافياً للحرب الدائرة في سورية وتقاسماً لمناطق النفوذ وفقاً للرغبة الأميركية.
تشهد المنطقة حالياً خلطاً غير مسبوق للأوراق فنحن أمام مشهد جديد يتّسم بالآتي:
– عزل قطر وتكييفها مع الريادة السعودية للمنطقة في مواجهة الدور القيادي السابق لتركيا، الذي يبدو أنه حيّد اليوم بعد زيارة ترامب إلى الخليج.
– التطبيع الخليجي العلني مع إسرائيل بأي ثمن وربط ما يجري في المنطقة بملف العداء لإيران.
– نقل الصراع إلى داخل إيران واستهداف رموزها الدينية والسياسية، فضلاً عن وجود خرق أمني خطير في داخلها، وهو ما من شأنه أن يدخل الصراع الإقليمي في مرحلة جديدة وخطيرة.
– ضيق الجغرافيا في ساحات المواجهة من شأنه أن يدفع جميع الأطراف، في ظل غياب الاتفاق والنزوع نحو تفجير المنطقة أميركياً، إلى الصدام المباشر، فتقاسم مناطق النفوذ يتم عبر وجود اتفاق سياسي وحتى تقاسم لمصادر الطاقة وتثبيت للمصالح، وهذا ليس موجوداً في اليمن وحتى في سورية التي تشهد جغرافيتها تطورات متسارعة تضع جميع الأطراف على حافة الصدام، والتدخل المباشر من جانب القوى التي تدير العمليات على الأرض، وليس عبر الوكلاء كما هو الحال في محيط معبر التنف حالياً.
– «الحشد الشعبي» وتعاظم دوره في العراق والتوجه نحو الحدود السورية العراقية، ما يفرّغ الإستراتيجية الأميركية من مضمونها، هو ما يدفع الأميركيين إلى الضغط المباشر على إيران وتشتيت جهدها الإقليمي.
– عزل قطر يصب هو الآخر في إطار اجتذاب دور مصري عملي في اليمن، ضمن التحالف السعودي، حيث من المتوقع أن تكون الساحة اليمنية الأشد اشتعالاً خلال الفترة المقبلة.
تدخل واشنطن المنطقة في دوامة حرب إقليمية مباشرة اليوم وليس عبر الوكلاء، تحت سقف يخيف الجميع وهو منع الصدام الروسي الأميركي الذي يؤدي إلى حرب عالمية، وهو ما قد يكبّل قدرة الأطراف الإقليمية على المضي قدماً في المواجهة المباشرة، لكن من دون أن يعني ذلك عدم الضرب تحت الحزام، وهو بدأ في إيران اليوم ولن يقف عندها، والرد لن يقف عند ساحات الصراع سواء المشتعلة كاليمن وسورية أم الهادئة كالبحرين، بل سيتعداه إلى قلب السعودية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن