ثقافة وفن

رداً على ما كتبه الدكتور سامي مبيض في صحيفة «الوطن» السورية عن مسلسل باب الحارة: فليعودوا بمسلسل «باب الحارة» إلى منطق نمطه الدرامي

من المفيد القول إننا طالبنا منذ البداية أن يبقي صانعو «باب الحارة» مسلسلهم في حدود منطقه الدرامي، أي إبقاء العمل في حدود كونه حكاية مسلية تشبه حكايات الجدات، تمضي بشكل أفقي صوب مقولة قيمية واضحة، وهو المنطق الذي افتقدته حكاية باب الحارة في أجزائها الستة الأخيرة، حين راحت تبني حكايتها وعيونها على ترتيب أحداث تصلح للإسقاط على الواقع الأمر الذي أفقد حكاية المسلسل عفويتها وتشويقها، ونَقَلَها من حكاية افتراضية لا حدود للخيال فيها، كما نريدها، إلى نسخة تاريخية مشوهة لتاريخ سورية في مقاومة الانتداب الفرنسي.
مسلسل «باب الحارة» خالف منطقه الدرامي، حين بالغ بلعبة الإسقاط ورغم أنه «لم يدّعِ يوماً أنه عمل وثائقي» ولكنه لم يطرح نفسه أيضاً بوصفه يقدم حكاية من وحي الخيال تجري في زمن افتراضي، فالأحداث التي تتفاعل في مواجهة الاحتلال الفرنسي لسورية على سبيل المثال، تحدد تلقائياً الفترة الزمنية التي تجري ضمنها، في أقل من ثلاثة عقود من تاريخ سورية، لا يمكن تجاهل تفاصيلها بالضرورة في تشكيل المكان ونسج الأحداث أو خلفيتها، وقد فند الدكتور مبيض مشكوراً ملامح تلك الفترة، وحجم مغالطات المسلسل لها، وإن كان القائمون على العمل يريدوننا ألا نحاسبهم على ملامح هذه الفترة التاريخية ومفرداتها.
فليعودوا بالمسلسل إلى منطق حكايات الجدات بلا تحديد زماني أو مكاني للأحداث، وقتها فقط لن نطالب أحداً بملامح الفترة الزمنية، وسنقبل أن يكون للخيال الغرائبي حكمه وكلمته العليا.
ملاحظة1: ليست من وظيفة الدراما التوثيق، حتى في الدراما التاريخية هي تقدم رؤية درامية للتاريخ، لا تقدم وثيقة عنه، ولكن احترام مفردات المكان وملامح الفترة الزمنية هي ضرورة يفرضها المنطق الدرامي، الذي يطالب بإضفاء سمة الواقعية على حكايه العمل، بوصفها جرت مع أحد ما في هذا الزمن أو من الممكن أن تحدث.
ملاحظة2: لم يكن موفقاً د. المبيض في المثال الذي استعاره من مسلسل «أيام شامية» عن ضرب أبي عبدو (خالد تاجا) لزوجتيه بعصا الخيزران، فاليوم والآن ثمة من يفعل السلوك ذاته، وهو سلوك يسيء إلى صاحبه لا يشوه صورة مجتمع بحاله، ثم إن مسلسل «أيام شامية» قدم حكايته الافتراضية في ظل الاحتلال العثماني التي امتدت نحو أربعة قرون، لا نحو ثلاثة عقود، وقد تقلبت أحوال المجتمع في هذه الفترة الطويلة.
ملاحظة 3: اتفق مع د. المبيض حول كل ما ترتكبه المسلسلات المعاصرة اليوم من حالات تشويه لمجتمعنا، ولكن الإساءة والتشويه في تلك المسلسلات لا يبرران التشويه الحاصل في باب الحارة.
ملاحظة 4:جزء من العبارات التي وردت في هذا النص، نسخت بالحرف من مقالات لي نشرت على مدار سنوات عرض مسلسل «باب الحارة».. لنؤكد أننا منذا البداية كنا نعي مشكلة باب الحارة وقيمته أيضاً.

ماهر منصور

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن