اقتصاد

التشاركية بين القطاعين العام والخاص

| د. عماد الصابوني

عُقد في 28/5/2017 الاجتماع التمهيدي لمجلس التشاركية، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، بغرض إطلاق العمل بنشاطات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وفق أحكام قانون التشاركية ذي الرقم 5 لعام 2016. ولعل من المفيد، بهذه المناسبة، إلقاء بعض الضوء على هذا الموضوع.
شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في دور الدولة فيما يتعلّق بتقديم الخدمات، وأدى التوسّع في أنواع الخدمات والمرافق العامة إلى أن ينصبّ تركيز الحكومة على رسم السياسات العامة وقضايا التنظيم والكفاية ومراقبة الأداء وحماية المستهلك، عوضاً عن التنفيذ والتشغيل المباشر لتقديم الخدمات. ومّما يدفع إلى تأكيد هذا التوجه، الازديادُ الكبير في الاستثمارات المطلوبة لإنشاء البنى التحتية والمرافق اللازمة للوفاء باحتياجات المواطنين المتزايدة؛ وهو ما يضع ضغوطاً حقيقية على الموازنات الحكومية، وبخاصة في الدول ذات الموارد المحدودة، أو في حالات الأزمات الاقتصادية، كما هو حال سورية اليوم.
وقد كانت سورية من الدول التي انتهجت سياسة اقتصادية متوازنة خلال السنوات الماضية، تقوم على المحافظة على دور الدولة في الإشراف والرقابة، وضمان تقديم الخدمات العامة الأساسية للمواطنين، مع السماح للقطاع الخاص بالعمل في تقديم الخدمات في قطاعات عديدة، تضمن جذب الاستثمارات، والإسهام في بناء الاقتصاد الوطني.
وإلى جانب هذه المقاربات التقليدية، ثمّة مقاربة ثالثة تقوم على «الشراكة» بين القطاعين العام والخاص في إنشاء البنى التحتية وتقديم الخدمات. والشراكة هنا لا تعني أن يكون القطاع الخاص مجرد مورّد للقطاع العام، بل تعني القيام بنشاط مشترك يتضمّن تحمّل القطاع الخاص مخاطر جوهرية في التمويل والإدارة والتشغيل، مع السماح له باستعادة عوائد استثماراته وتحقيق قدر معقول من الربح. ويجري عموماً تحويل ملكية البنى التحتية المنشأة بموجب مشروعات التشاركية إلى الدولة عند انتهاء مدة المشروع.
علاقة التشاركية تأخذ إذاً شكل علاقة تعاقدية بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص، يقوم بموجبها الشريك الخاص بالاستثمار في تصميم أو تنفيذ أو تطوير أو إدارة أو تشغيل مرفق عام أو مشروع لدى الجهة العامة، وذلك بهدف المساهمة في تقديم خدمة تتوخّى المصلحة العامة.
يهدف مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص عموماً إلى نَظْم إجراءات التعاقد لتحقيق أشكال هذه الشراكة، متضمّناً نطاق التطبيق، والإطار التنظيمي، وإجراءات طرح وإحالة وإبرام عقود الشراكة، ومضمون هذه العقود، وآليات مشاركة الجهات العامة في مشروعات الشّراكة. ولم يعالج مشروع القانون مباشرة أصناف عقود الشراكة، بل ترك قصداً تفصيل كل ذلك إلى اللوائح التنفيذية والتنظيمية، التي تضع الأحكام المتعلّقة بكل صنف، والأحكام المتعلّقة بتقديم الخدمات، وتلك المتعلّقة ببناء مرافق أو منشآت أو بنى تحتية جديدة، وحالات إعادتها إلى الدولة.
إن الشراكة بين الجهات العامة والخاصة تقدّم للدولة فرصاً ومنافع كبيرة في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من أهمها:
إنشاء البنى التحتية والمرافق والمشروعات الحيوية وتطويرها، مع ترشيد الاستثمارات الحكومية من الموازنة العامة، وزيادة التمويل المقدّم من القطاع الخاص؛ وتحسين تقديم الخدمات، بالاستفادة من قدرات القطاع الخاص في مجالات التشغيل والصيانة والتسويق؛ وتحسين الكفاءة وتخفيض الكلفة وزيادة سرعة إنجاز المشروعات، بالاستفادة من مرونة القطاع الخاص وقابليته للتكيّف والتجديد؛ وتخفيض المخاطرة أمام القطاع العام؛ وتوفير فرص عمل جديدة، وبخاصة لدى القطاع الخاص.
ويبقى تفعيل قانون الشراكة واختيار المشروعات ذات الأولوية للبدء فيها، على نحو ينسجم مع الأولويات الوطنية، هو من أهم المهام التي يتعين على الحكومة الاطلاع بها، بهدف الدفع قدماً بعملية التنمية الاقتصادية في المرحلة القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن