قضايا وآراء

ترامب بين أزمته الداخلية وانهيار حلفه الشرق أوسطي

| تحسين الحلبي 

يبدو من الطبيعي أن يتمنى الحزب الديمقراطي الأميركي وأعضاؤه في الكونغرس، أن تؤدي شهادة رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» السابق جيمس كومي أمام لجنة الكونغرس المختصة، إلى مرحلة يصبح فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب متهماً بعرقلة القضاء أو العدالة في الموضوع الذي يجري فيه استجواب عدد من أتباع الرئيس الأميركي مثل مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين واتهامه بعلاقة مع روسيا.
المهم عند الديمقراطيين الآن أن يصل ترامب إلى النقطة التي وصل إليها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1974 وأجبر على الاستقالة بعد جمع الأدلة التي تدينه في فضيحة «ووترغيت» وتجسس فيها على الديمقراطيين في مرحلة إعدادهم لحملات انتخابية لمصلحة مرشحهم، لكن فضيحة «ووترغيت» الشهيرة بدأت في 17 حزيران 1972 وانتهت في عام 1974،
ولذلك يتوقع الديمقراطيون إذا ما تمكنوا من تشديد حملة الاتهام لإدانة ترامب، بأي تهمة تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو بعرقلة التحقيق في هذا الموضوع، أن يسقط ترامب عام 2018 وتجري انتخابات يفوز بها مرشحهم.
من المقدر أن ينشغل ترامب بشكل خاص والدائرة المقربة جداً منه، بهذه القضية، رغم عدم كفاية ما قدمه كومي، الذي أقاله ترامب قبل أسابيع قليلة، من أدلة قضائية، لكن المهم في هذه الأيام والأسابيع المقبلة، هو كيف سيتابع ترامب المسائل والمشاكل التي استجدت في منطقة الخليج بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام بعد النزاع شبه الساخن حتى الآن بين السعودية وقطر؟ فقد تولد عن هذا النزاع بسرعة غير مألوفة عملية استقطاب وفرز سياسي طالت دولاً كثيرة وما تزال تتفاعل في الساحة السياسية وتفرض تطورات حيوية قد تغير جزءاً من التحالفات في المنطقة.
يلاحظ حتى الآن أن قطر بدأت تستعين بأنقرة عسكرياً، وبإيران بالاقتصاد وخدمات الموانئ، وهذا ما سوف يضع تركيا أمام تصدع في علاقتها مع السعودية بشكل خاص، كما سيفتح للسياسة الإيرانية بوابات لم تكن على جدول أعمالها بهذه السرعة، وترافق هذا التطور بمحاولة أمير قطر استمالة باكستان إلى صفة أو إلى الحياد، من خلال عرض قدمته قطر بتزويد باكستان بالغاز الطبيعي لمدة 15 عاماً، والمعروف أن باكستان نشرت أكثر من أربعة آلاف جندي على حدود السعودية مع اليمن ضمن تعاقد عسكري، تسمح به الاتفاقات العسكرية بين الدولتين، علماً أن باكستان رفضت إرسال أي قوات إلى داخل اليمن، وإذا نجحت قطر باستمالة باكستان التي تسعى الرياض إلى ضمها لصفها ضد قطر وحلفاء قطر، فإن هذه النتيجة ستخفض كثيراً قيمة التحالفات التي تريد الرياض تحقيقها ضد قطر.
يقدر المختصون بشؤون باكستان في بريطانيا، أن انضمام باكستان قبل يومين إلى عضوية «منظمة شانغهاي للتعاون» إضافة إلى الهند، سيقدم لباكستان ساحة يمكنها الاستناد إليها في إجراء تعديل سياسي على سياستها تجاه المنطقة، فمنظمة شانغهاي تقودها روسيا والصين ودول البريكس وإيران تعد عضواً مراقباً فيها وستصبح قريباً عضواً كاملاً، كما أن تركيا أصبحت من الدول الشريكة بالحوار مع منظمة شانغهاي، وربما تجد باكستان منطلقاً لها في ظل الإغراء القطري بالغاز والعضوية الكاملة بمنظمة شانغهاي للتقارب مع طهران، لكن أهم ما سوف يعكسه النزاع القطري السعودي من تأثيرات وتطورات على الوضع وطبيعة المجابهات في الشرق الأوسط ربما يكمن فيما يلي:
1- تفكيك جزء من نشاطات التمويل القطري للمجموعات المسلحة التي تستهدف عدداً من دول المنطقة.
2- انقسام جبهة دول النظام الرسمي العربي وتحالف بعض دولها مع أنقرة، فالانحياز التركي المعلن مع قطر، سيفصل الآن الدولتين قطر وتركيا عن سياسة التحالف مع دول النظام الرسمي العربي، وقد يؤدي ذلك الوضع الجديد إلى ظهور ثلاثة محاور إقليمية في المنطقة: المحور السعودي ومن معه، والمحور القطري التركي ومن ينضم إليه، ومحور المقاومة الثابت الذي تشكله دمشق وطهران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية والتقارب العراقي مع هذا المحور.
وفي قلب محور السعودية لا يستبعد الكثيرون أن تلجأ الكويت وعمان إلى انتهاج سياسة التقارب نفسها مع طهران، بينما ستجد مصر أنها لن تكون محسوبة على محور السعودية في هذه الاستقطابات لأنها تقيم علاقات متوازنة مع دول محور المقاومة وحلفائه في موسكو وبكين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن