قضايا وآراء

في يوم من أيام حافظ الأسد

| بيروت – رفعت البدوي 

في رحاب الذكرى السابعة عشرة لغياب الرجل العظيم المؤسس في تاريخ سورية، القائد حافظ الأسد، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع الرجل، فإن أحداً لا يمكنه نكران فضله على سورية وعلى الوطن العربي من جهة معرفته الدقيقة في ثنايا المجتمع السوري وإبعاده عن أي انتماء طائفي أو مذهبي وجعل المجتمع السوري متقدماً عن مجمل المجتمعات العربية في الانتماء الوطني والعربي القومي، محافظاً على مصالح سورية وشعبها ونهجه نهج القومية العربية، والتزامه القضية الفلسطينية كعنصر أساسي من عناصر الجمع العربي، وهذا ما أبقى الدور السوري فاعلاً ومؤثراً في الساحتين العربية والدولية جاعلاً من سورية مدرسة في الانتماء العربي والقومي ولاعباً أساسياً مؤثراً يحسب له الحساب في المحافل الدولية والإقليمية في تقرير مصير المنطقة العربية برمتها.
إن العوامل الوطنية البحتة التي راهن عليها حافظ الأسد أبقت سورية في مصاف الدول المؤثرة واللاعب الرئيس في المنطقة.
لقد راهن حافظ الأسد على الانتماء الوطني للإنسان السوري، وعلى العقيدة الوطنية والقومية للجيش العربي السوري، وفي تنمية القدرات السورية الذاتية انطلاقاً من تأمين التعليم والاستشفاء المجاني، إضافة لدعمه البحوث العلمية والصناعية والتنمية الزراعية، وصولا حتى الاكتفاء الذاتي من دون الحاجة لتمويل مراكز المال العالمي، معتبراً إياها أنها العوامل الأساسية التي تؤمن بقاء القرار السيادي السوري بعيداً عن أي تأثير خارجي.
راهن حافظ الأسد على بناء مجتمع سوري متماسك تحميه من تقلبات التحالفات والانتماءات والولاءات وجعل المجتمع السوري موالياً لسورية فقط ولخياراتها الوطنية والإستراتيجية مهما تقلبت ظروف المنطقة وتحالفاتها.
أدرك حافظ الأسد مبكراً أن العرب يراهنون على كل شيء إلا على انتماء وتقدم الإنسان العربي، وخصوصاً بعدما جعلوا منه إنساناً جائعاً متعطشاً يلهث خلف ملك أو أمير أو رئيس عربي أو غربي طمعاً في استمرار تأمين متطلبات العيش ولو أدى ذلك للتخلي عن الانتماء الوطني والقومي.
إن رهان العرب كان ولم يزل على توظيف مقدراتهم وثرواتهم النفطية وغير النفطية في تنفيذ مؤامرات وأجندات خارجية بهدف استرضاء الأميركي وأعداء الأمة على حساب المصلحة العربية تماماً كما حصل عقب حرب 1973 وانسحاب الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات من أي تنسيق مع سورية، بتشجيع من دول النفط العربية، وبذلك استفردت سورية بمواجهتها للعدو الإسرائيلي، ولا ننكر أن هذا الأمر كان له بالغ الأثر السلبي في نفس حافظ الأسد، ما جعله يفقد الأمل في المراهنة على أي تنسيق عربي في المستقبل المنظور، ما دفعه إلى تعزيز العمل الإستراتيجي مع كل من روسيا وإيران.
إن رعونة الملوك والرؤساء العرب ورهانهم على ثرواتهم النفطية والمالية الضخمة، أوصلهم إلى حد توظيف مدخراتهم في دفع الرشاوى للأميركي ومشاركته حياكة المؤامرة على أي دولة عربية وإزالتها عن الخريطة العربية وإسقاط الحكم في أي بلد عربي تجرأ على التمرد أو رفض تنفيذ الأجندة الأميركية.
فتنقلب التحالفات لتصبح عداوات على هذا البلد، وتسخر إزاءه كل إمكانات التحريض، ويتهم بالإرهاب عبر الوسائل الإعلامية، بهدف تهشيم صورة البلد المتمرد، وهذا ما يحصل حالياً بين دول الخليج العربي التي تشهد أزمة حادة بلغت حداً غير مسبوق من القطيعة بين قطر وبين الدول الخليجية التي تسبح في الفلك الأميركي.
وهنا لا نود تبرئة قطر التي لعبت دور المتعهد في تنفيذ الأجندة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، ودورها السيئ المتآمر الذي قامت به ضد الجمهورية العربية السورية وليبيا والعراق ومصر، بيد أن المقصود أن نظهر للعالم أن استثمار العرب لمدخراتهم المالية في شراء الذمم والإعلام، ما شكل مساحة رخوة استفاد منها الغرب الأميركي في زعزعة الأمن ونهب مقدرات عرب النفط وابتزازهم وجعلهم يتقاتلون بعضهم مع بعضٍ، للفوز بمنصب الخادم الأمين المنفذ للمصالح الأميركية الإسرائيلية في المنطقة.
في يوم من أيام حافظ الأسد جاءه أحد رجال سورية حاملاً خرائط تتضمن اكتشافات حقول سورية من الغاز والنفط، عارضاً عليه مشروعاً للبدء باستخراج الثروة السورية ما يجعل من سورية دولة نفطية منافسة في الأسواق العالمية، كان حافظ الأسد مستمعاً للعرض طوال الوقت وبعد الانتهاء جاء جوابه متوجهاً للرجل قائلاً: أقدر لك دراستك واهتمامك لكني لا أريد تحويل المجتمع السوري إلى رعاع، أنا أفضل الاعتماد على التنمية الذاتية، لأن النفط والغاز ثروة آيلة للنضوب، لكن تنمية الإنسان والاستثمار في التقدم والبحث العلمي، لا يمكن نضوبهما، لأنهما يبقيان الحصن المنيع الذي يحمي سورية، وأضاف حافظ الأسد: لا أريد إفساد المجتمع السوري وأفضل أن أبني مناعة صلبة لسورية قبل كل شيء لتبقى الثروة النفطية السورية ملكاً للسوريين فقط.
لقد أثبت حافظ الأسد أن رهانه على الإنسان والمجتمع السوري وانتمائه الوطني هو الرهان الصائب على المدى الإستراتيجي، مسهماً في تأمين حماية سورية وبناء منعتها الوطنية، رغم المخاطر المحدقة بها، وهذا ما شكل العامل الأساسي في صمود سورية الأسطوري وبقائها محصنة بوجه كل المؤامرات على مدى سنوات الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن