قضايا وآراء

«أستانا» الخامس بين التهويل بأجندات الإرهاب وروايات الوسطية السياسية

| عبد السلام حجاب 

من المؤكد أن موسكو لم تكن تستعجل الدعوة التي وجهها نائب وزير الخارجية الروسية غينادي كاتيلوف إلى الأطراف المشاركين في اجتماع أستانا يوم 12 الجاري، لو لم تكن أمامها معطيات إيجابية رشحت أو يمكن أن ترشح نتائج هذا الاجتماع، بدليل ممارسة الوسطية السياسية التي ينتهجها من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف ومن الجانب الأميركي وزير الخارجية ريكس تيلرسون.
تم توجيه دعوات إلى الأطراف المشاركة في الاجتماع بالإضافة إلى المعارضة المسلحة ووزراء الخارجية السعودي عادل الجبير والمصري سامح شكري، وفي تصريح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً قال: «إن هناك تقدماً في هذه العملية يبنى على وقف إطلاق النار، وهو اتفاق مهم لوقف الأعمال العدائية بين القوات الحكومية والمعارضة على الأرض»، وتابع: «إن موقف المشاركين يؤكد أنه لن يكون هنالك حل عسكري للأزمة السورية، ويعول على محادثات أستانا التي أصبحت أساساً جيداً لمواصلة المحادثات في المستقبل».
ما أسفرت عنه زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية وإسرائيل وبعض دول المنطقة، بدأت انعكاساته تظهر في المنطقة تدهوراً في العلاقات البينية بين دول عربية، وهذا يشير إلى أن الخارطة الجيوسياسية التي أخرجها الجنرال الأميركي المتقاعد ويسلي كلارك من طاولته في البنتاغون لم تتضمن فقط تقسيم سورية ولبنان والعراق فحسب بل إن الربيع الدامي الذي حمله الصهيوني الفرنسي هنري ليفي كأحد أوجه المشروع الصهيوأميركي لتقسيم المنطقة وتحقيق الشرق الوسط الكبير الذي تحدثت عنه مسؤولة الأمن القومي الأميركي السابقة كونداليزا رايس في بيروت عقب العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وقالت إن العالم يشهد ولادة عسيرة لشرق أوسط جديد.
ما يعني أن سياسة ازدواجية المعايير الأميركية تفتح الباب على مصراعيه لاستكمال مشاريع كانت بدأتها في مناطق أخرى في الوطن العربي واستكمالاً في مناطق من العالم ولكنها لم تنجز كما تخطط الحكومة العميقة في واشنطن، وقد أشار الرئيس بشار الأسد إلى ما يعانيه النظام الأميركي في واشنطن في حديث إلى القناة الهندية «نيودنتن» حيث قال: إن المشكلة في الولايات المتحدة الأميركية تتعلق بالنظام السياسي برمته وليس بشخص واحد فقط، فبعد انتخاب دونالد ترامب ثبت لنا مرة أخرى أن الرئيس يؤدي دوراً وحسب، وليس صانع قرار، وأنه جزء من مجموعات الضغط المختلفة ومن الدولة العميقة.
من جانب آخر وقبيل اجتماعي جنيف وأستانا والدور الحالي الذي يقوم به المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا لإيجاد حل سياسي للأزمة يدعو إليه جميع الأطراف بناء على دعوة نائب وزير الخارجية الروسية غينادي كاتيلوف حيث ستشارك الولايات المتحدة بوفد رفيع المستوى، والسؤال هل الحل السياسي عصا يهش بها كل على غنمه بدءاً بدي ميستورا، لتحقيق مصالح نفعية مؤقتة ومكاسب سياسية على مدى أبعد من ذلك، بحيث تأتي جولة ترامب في الخليج ليست استكمالاً لها فقط بل تعبيراً غير مباشر عن تداعياتها وتفاعلاتها السياسية الواردة في المشروع الصهيوأميركي الذي حمله هنري ليفي.
يتوقع مراقبون رافقوا ترامب في جولته مؤخراً إلى أن احتمالات تأثير أسرته التي رافقته في جولته سيكون لها فعلها في توجهاته السياسية القادمة على أكثر من صعيد داخلي وخارجي بما يعكس الانطباعات التي حملتها الأسرة خلال جولتهم الأخيرة وهو ما قد يكون اللغز الأميركي الأخير في زيارة ترامب، دون أن يستبعدوا ما حدث في الخليج مؤخراً عن نظرياتهم الافتراضية، وهو ما قد يعكس امتدادات الربيع العربي المفترضة باتجاه الخليج بطريقة أو بأخرى، إذ إن امتدادات الربيع العربي الجيوسياسية سيكون لها تفرعات لاحقة وهو ما يمكن أن ينعكس سلباً على المناطق المنخفضة التوتر التي تم الاتفاق عليها مع موسكو والأطراف الضامنة كإيران وتركيا، ما يعني أن شرارتها المحتملة يمكن أن تذهب باتجاهات غير محسوبة وليس بحسابات الدول الضامنة من حيث النتائج السياسية ودائرة الانتشار.
يبدو أن موسكو استبقت تأجيل عقد اجتماع أستانا إلى موعد العشرين من الشهر الحالي لأسباب يقودها التفاؤل دون أن تتضح أسبابه، لكن على أية حال يبدو أن الخطوط التي فتحتها قطر مع إيران وتركيا وإسرائيل وروسيا والصين والكويت، لأسباب تتعلق حالياً بالأزمة القطرية الناشئة بين الدوحة والرياض، حيث دخلت روسيا والصين وتركيا وإيران على خط حل الأزمة كما دخلت الكويت على الخط لمعالجتها.
ولعل ما حدث من أعمال عنف وإرهاب في إيران يلقي مزيداً من الأضواء ليس حول ما جرى في العاصمة القطرية فحسب بل أبعد من ذلك بحيث إن إفشال ما حدث في العاصمة الإيرانية طهران من عمل إرهابي يتجاوز الحالة المكانية والزمانية إلى ما يمكن أن يطول السيناريو الصهيوأميركي من أساسه ما يدفع ترامب وإدارته إلى إعادة النظر بسبل دعم المجموعات الإرهابية والاستثمار فيها بعد أن غرقت السياسة الأميركية في أكثر من مستنقع غير محسوب النتائج ولا شك أن عواقبه ستكون وخيمة على المديين القريب والبعيد، وهو ما تحاول موسكو والصين ضبط تفاعلاته عبر تثبيت التواصل مع قطر من جهة والسعودية من جهة أخرى.
ولربما يأتي التوظيف الأميركي والتحرشات العسكرية بالقوات السورية والرديفة على الحدود السورية الأردنية ليشي بأن واشنطن ليست بعيدة بمصالحها الجيوسياسية والاقتصادية من هذه المنطقة من العالم، وإرضاءً لمصالح أميركية مباشرة وإسرائيلية سعودية بمشروع الشرق الأوسط الكبير، حيث المفترض أن يكون الكيان الإسرائيلي ضمن هذا المشروع، وكما هو مخطط له دولة عظمى، إذ لا يمكن لهذا المشروع وفق السيناريو الأميركي أن يحقق أهدافه من دون أن تكون إسرائيل دولة عظمى في المنطقة، قادرة على فرض شروطها بالسيطرة الجغرافية والاقتصادية والديموغرافية.
يبدو حتى الآن أن النتائج لا تتحقق بكامل أهدافها بدليل تصاعد حضور تيار المقاومة على الساحة السورية والعراقية وهي مساحات بات من الصعب ضبطها بعدما جرى في قطر، حتى لو حاولت السعودية، ذلك لأن الدلائل تشير أن درع الجزيرة في قطر لم يعد ملكاً للسعودية فحسب بل راح ينزلق في اتجاهات أبعد من ذلك، والمؤشرات تقول إنها خارج السيطرة السعودية حتى الآن التي تبدو ملامحها غير واضحة والمقاربات السياسية بشأنها لا تقدم صورة مكتملة.
من يقرأ التصريحات الصادرة عن غرفة حلفاء سورية يكتشف أن ناراً تشتعل تحت رماد الأحداث وهي نار لا ترتبط بمنطقة محدودة، وكما أنه لا يوجد في السياسة أصدقاء دائمون وأعداء دائمون كذلك النيران تنتقل دون إذن مسبق دون إشعار من مكان إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى دون أن تستأذن أحداً، الأمر الذي يجعل العالم متحسباً لما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من احتمالات إذا ما أسيء استخدام الأدوات التي تمتلكها الأطراف التي تستثمر بالإرهاب في أي منطقة من العالم، فالإرهاب لا يعرف وطناً ولا ديناً ولا حدوداً، ويمكن له أن يضرب حتى صديقه ومن قام بتغذيته وتمويله وما حدث في لندن مؤخراً نموذج واضح على ذلك.
إن تصاعد التوتر بين السعودية وقطر يجر في ذيوله معارك حامية في سورية بين المجموعات المسلحة المرتبطة بالسعودية من جهة أو بقطر وتركيا من جهة أخرى، وهذا الشرخ بين الدول الداعمة قد يؤدي إلى تموضع تركيا وقطر على طريق انفراج في الأزمة السورية، فالواقعة الكبرى المنتظرة بين المجموعات والدول الداعمة قد تكون في محافظة إدلب حيث تحتشد هذه الجماعات، وإدلب هي إحدى أربع مناطق متفق عليها لخفض التوتر، إذا التزمت تركيا وهي الدولة الضامنة في أستانا، بالقضاء على النصرة، حيث إن تركيا غير قادرة على التعويل على النصرة وعلى أستانا في الوقت نفسه، لاسيما أنها تدخل في صميم الأزمة الخليجية من بابها العسكري بإرسال جنودها إلى الدوحة.
إن أبرز أسباب الانفجار بين السعودية وقطر هو الجبهة التركية القطرية الفاعلة في الأزمة السورية، فالسعودية ترفع السقف أمام قطر وتركيا إلى حد لا يتسنى للبلدين قبول تقويض نفوذهما بأيديهما والاستغناء عن طموحاتهما بالمصالح الهائلة في أراضي وثروات سورية والعراق والبلدان العربية.
لذلك نرى أن ترامب يقدم الدعم للسعودية بهدف انتزاع الثروة المالية القطرية كما انتزع الثروة المالية والثروات الخام السعودية، فهو يحاول إعادة قطر إلى حجم مشيخة صغيرة عاجزة عن الحركة، ومن غير المتوقع استدارة قطر وتركيا نحو موسكو وطهران ودمشق، فكل خطوة في هذا الاتجاه يرافقها الهاجس القطري والتركي على عدم القطيعة مع واشنطن، لكن قطر ملزمة بالانفتاح على هذه العواصم الثلاث بمقدار ما تدير السعودية وحلفاؤها الظهر لها.
هل انقسام المحور المعادي لحل الأزمة السورية إلى قسمين وتموضع قطر وتركيا في خط ثالث بين المحورين يتضمن دفعاً قوياً ينمو بموازاة المأزق السعودي على طريق انفراج الأزمة السورية.
لقد تشكل محوري الصراع في المنطقة، محوراً يساند إسرائيل ومحوراً آخر يريد تثبيت نقاط الصراع وحدوده السياسية والإقليمية على الصعد السياسية والاقتصادية وهو ما تكشف عن جانب منه تفاعلات ما يحدث على جوانب الخلاف القطري السعودي الذي لم يتأكد حتى الآن طبيعته الحالية ولا أطرافه المستقبلية ولا دور العائلة التي رافقت الرئيس ترامب في الخلاف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن