قضايا وآراء

التدخل العسكري في سورية ورقة أردوغان الأخيرة

 صياح عزام  : 

 

لا يزال الرئيس التركي أردوغان يواصل موقفه العدواني لسورية، إذ لم يكتفِ بما قدمه من دعم للمجموعات الإرهابية المسلحة عبر فتح أبواب بلاده أمامهم ليأتوا من أكثر من ثمانين دولة، على حين تقوم أجهزة مخابراته بتأمين دخولهم إلى سورية، هذا فضلاً عن دعمهم بالسلاح والمعلومات والتدريب والعلاج، إضافة إلى ذلك، لم يوفر مناسبة للحديث عن التدخل العسكري في سورية وإقامة منطقة آمنة داخل أراضيها كشرط مسبق لأي تعاون تركي فاعل في الحرب التي تقودها واشنطن على داعش الإرهابية، إلا أن الطلب الذي وجهه أردوغان إلى الجيش التركي بالتدخل العسكري الفوري في سورية على خلفية تقدم الأكراد في الشمال السوري وما سماه أردوغان «خطر ذلك التقدم على الأمن القومي التركي» قُوبل برد لم يَرُق له، إذْ طلب رئيس أركان الجيش قوْننة الطلب، عبر تقديمه مكتوباً، واللعب على عامل وقت تشكيل الحكومة التركية؛ الأمر الذي جعل مسألة هذا التدخل حساسة إلى أبعد الحدود وخطرة في الوقت نفسه في سياق اختلاط أوراق اللعبة على الساحة السورية.
غنيٌّ عن الذكر أن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة كانت سارّة للإدارة الأميركية في إطار رؤيتها أن المطلوب من أنقرة ترشيد سلوكها في الحالة السورية، لأن أوباما يريد أن تبقى مسألة أكراد سورية ورقة أميركية، كما يريد عدم دعم داعش مباشرة فيما يجري في الشمال السوري الذي أصبح المسرح الأساسي لرهان الأطراف المنخرطة في الحرب على سورية على امتلاك الورقة الأقوى جغرافياً وعسكرياً وتفاوضياً.
كل تلك الأمور ضرب بها أردوغان عرض الحائط، عندما دفع داعش عبر الحدود التركية مع عين العرب إلى ارتكاب مجزرة في المدينة، ليذكر أردوغان بحضوره وأوراق قوته التي تزامنت مع التسريبات حول التدخل في سورية بحجة ضرب الأكراد والحفاظ على الميليشيات المسلحة المسماة «معتدلة» التي تسيطر على معْبَري باب الهوى وباب السلامة وكذلك معبر جرابلس الذي يعتبر الشريان الرئيسي لرفد تنظيم داعش الإرهابي بما يحتاج، والمشمول بخطة أردوغان للتدخل العسكري، التي تهدف في جزء منها إلى قطع الطريق عن تشكيل الحكومة التركية وتمييع نتائج الانتخابات بذريعة التهديدات التي تحيط بالأمن القومي التركي حسب مزاعم أردوغان، والسؤال هنا: هل تتحقق حسابات أردوغان أم إن هذه الحسابات تشكل البداية لانتهاء أحلامه السلطانية العثمانية؟
إن الحكام المستبدين من شاكلة أردوغان غالباً ما يخطون نهايتهم بأيديهم، لا أحد يتدخل في رسم طريق النهاية لهم، هم يتولون رسمه عبر الإصرار على تنفيذ أحلامهم من دون أخذ المتغيرات من حولهم بالحسبان.
أكراد شمال سورية تعتبرهم واشنطن حسب تصورها ورقة أميركية بيدها، ومن ثم، فمواجهتهم من أردوغان تعني مواجهة مع أميركا، ومع التحالف الذي تقوده، فهل يقدم أردوغان على الصدام مع واشنطن؟ هذا ما أدركه رئيس أركان الجيش التركي (نجدت أوزال) الذي رفض طلب تدخل الجيش التركي في سورية، آخذاً بالحسبان نتائج الانتخابات التركية، والتوازنات الدولية السياسية، وفي هذا السياق تسربت أنباء عن تساؤلات رئيس الأركان التركي عن مواقف واشنطن وموسكو وطهران من التدخل العسكري التركي المباشر في سورية.
يبدو أن الصدام مع الأكراد ومع الجيش السوري الذي أفشل الحزام المتصدع مستعيضاً عنه بخط الصد، أمراً في غاية الصعوبة، حتى لو تم في المرحلة الأولى تحييد (داعش) وتبادل الأدوار بينه وبين الجيش التركي، وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً في ضوء وجود فصائل أخرى على الأرض أكثر ارتباطاً بتركيا مثل (الميليشيات التركمانية، وجبهة النصرة، والحركات السلفية) التي تسيطر على المعابر الحدودية مع تركيا، وهو ما يفرض صداماً مع داعش عاجلاً أو آجلاً.
والسؤال هنا: هل بوسع أردوغان الخاسر في الانتخابات الأخيرة مواجهة داعش والجيش السوري والأكراد؟ وهل تقبل واشنطن بتوحيد الجهود بين الجيش السوري والأكراد في شمال البلاد لمواجهة تركيا إذا تدخلت عسكرياً في سورية بشكل مباشر ولا سيما أن تركيا أصبحت عدواً وجودياً لكلا الطرفين السوري والكردي؟
تاريخياً، من المعروف أن (هتلر) أصر على تحقيق أحلامه، ولم يأخذ المتغيرات بالحسبان، مثله مثل نابليون الذي حشد (600) ألف مقاتل لمواجهة الروس وأخفق. وفي هذه الأيام، يطرح (أردوغان) ورقة تدخله العسكري المباشر في سورية في وجه الجميع، لكن هذه الورقة على خطورتها ستضع نهاية اللعبة لأردوغان وحزبه الإخواني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن