قضايا وآراء

صفقات المليارات لم تبدل ترامب

| صياح عزام 

مرّت بضعة أسابيع على زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة العربية، ورغم الحفاوة النادرة التي استقبل بها في السعودية والعقود والصفقات المذهلة التي وقعها معها، والهدايا الشخصية التي أغدقت عليه وعلى زوجته وابنته وصهره؛ رغم كل ذلك، الرجل لم يتغير، ولم يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه وأجندته المثيرة في المنطقة بأسرها.
منذ أيام خلت أعادت إدارته تقديم طلب إلى المحكمة العليا بشأن تجديد حظر دخول المهاجرين من مختلف الدول في العالم، علماً بأن غالبية هؤلاء من العرب والمسلمين، وحظر سفر مواطني ست دول مسلمة، ثلاث منها شاركت في قمة الرياض الأميركية العربية ذاتها التي عُقدت بحضور ترامب، ومعروف أن الدوافع لهذا الحظر هي مواقفه المعادية للإسلام والمسلمين وفقاً لمصادر أميركية، وهي المواقف التي لم تتبدل مع المليارات التي حصل عليها، والتي جاءت بعيدة كل البعد عن الكلمات التي خاطب بها زعماء العالم الإسلامي الذين حشدتهم له الرياض.
بعد زيارته إلى السعودية، قام بزيارة إلى إسرائيل، وعلى هامش هذه الزيارة مر ببيت لحم واجتمع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن ماذا كانت نتائج هذا الاجتماع؟
عندما التقى عباس في واشنطن، كان اللقاء حميمياً وإيجابياً كما وصفه متابعون أميركيون وعرب، ولكن اللقاء الذي تم بينهما في مكتب الرئيس الفلسطيني بجوار كنيسة المهد، كان صاخباً، حيث ثار ترامب وضرب الطاولة بقبضة يده متهماً عباس والسلطة الفلسطينية عامة بالخداع والكذب وممارسة التحريض على العنف وكراهية الإسرائيليين واليهود، استجابة منه للدعاية الإسرائيلية الكاذبة.
إذاً، مرة أخرى، المليارات لم تزحزحه قيد أنملة عن مواقفه من قضية فلسطين، حتى إنها لم تمنعه مجاراة أكثر الاتجاهات الإسرائيلية تطرفاً والمزايدة عليها.
بالنسبة لإيران التي اعتبرتها القمة الأميركية العربية الإسلامية في الرياض مصدراً للإرهاب وداعمة له، شن ترامب حرباً كلامية شعواء عليها، ولكنه في الوقت نفسه كان قد وقع بعد شهرين من استلامه الرئاسة عقد بيع طائرات طراز «بوينغ» لإيران، وحتى أثناء وجوده في الرياض، لم يقفل الباب أمام إيران للعودة إلى المجتمع الدولي، وصرح وزير خارجيته ريكس تيلرسون بأنه سيجيب على الهاتف إذا اتصل به وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كذلك توقعت صحيفة «نيويورك تايمز» أن يرجح ترامب كفة عقد الصفقات على خوض الحرب مع إيران.
بناء على ذلك كله، يتضح أن ترامب «بائع كلام»، فقد نجح في إبرام أنجح الصفقات والعقود وأكثرها مردودية على معدلات النمو وأرقام البطالة والتشغيل في بلاده، وعقود الرياض وحدها كفيلة بتوفير مليون فرصة عمل خلال السنوات القادمة، كما ذكرت صحف أميركية، هذا في وقت تتزايد فيه جيوش العاطلين عن العمل من أبناء المنطقة، والأميركيون يحصلون على فرص العمل وأبناء المنطقة يفقدونها! أي بإيجاز لم يتغير شيء في سياسة أميركا.
بطبيعة الحال، أي عاقل لا يساوره الشك حول ثبات ترامب على مواقفه الداعمة لإسرائيل «حتى النخاع» كما يُقال، ولم يحصل المحتفلون به في السعودية من زعماء عرب ومسلمين تسابقوا للقائه، سوى على إطلاق الوعود والإدلاء بالتصريحات الفارغة، وهكذا غادر ترامب المنطقة وكله أمل، بأن تبدأ الرياض في بلورة «ناتو شرق أوسطي» يتصدى لما يُسمى زوراً وبهتاناً «الإرهاب الإيراني».
الأمر اللافت للنظر، أنه على أثر القمة العربية الإسلامية التي صنعتها الأسرة السعودية ظهرت على الساحة خلافات غير مسبوقة في قلب الدائرة الضيقة المرشحة لقيادة الحلف، بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة، ومشيخة قطر من جهة ثانية، وبدأت ملامح الوساطة من الكويت وتركيا وغيرها في محاولة لرأب هذا الصدع الخطر داخل مجلس التعاون الخليجي، وسط أجواء توحي بأن واشنطن غير مستاءة ولا منزعجة من تفاقم هذا الخلاف، انطلاقاً من قناعتها الراسخة بأنه كلما تزايدات الخلافات بين هذه الأطراف، ازداد الطلب الخليجي لشراء السلاح الأميركي، ومن ثم، تزداد معها فرص تعافي الاقتصاد الأميركي وفرص العمل الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن