قضايا وآراء

أخيراً حكومة قطر المنتفخة تعود لحجمها الطبيعي «جزيرة صغيرة»

| قحطان السيوفي

في شهر حزيران عام 2014 نشرت مقالاً في صحيفة «الوطن» بعنوان «متى تعود حكومة قطر المنتفخة لحجمها الطبيعي». قطر شبه الجزيرة الصغيرة القابعة على كتف الخليج العربي، تملك مخزوناً كبيراً من الغاز، وأقيم على أرضها القاعدة العسكرية الأميركية الأكبر في الخليج، وأعتقد حاكمها السابق حمد آل ثاني، متوهماً أنه يمكن تضخيم حجم إمارته على الصعيد السياسي العربي والدولي، من خلال نثر أمواله الوفيرة في عالم عربي مضطرب، ونصّب نفسه داعماً لقوى الإرهاب التكفيري العالمي بدءاً من تنظيم القاعدة، وانتهاءً بتنظيم الإخوان المسلمين، وتبنى ما سمي مشروع الربيع العربي داعماً المجموعات المسلحة الإرهابية.
وفشل الربيع العربي وتحول إلى شتاء داكن، وحاول حاكمها إظهار قوة إعلامية تضليلية من خلال قناة «الجزيرة» الفضائية، ووصل حاكم قطر حمد إلى مرحلة اليأس والإحباط، ليتنازل عن منصبه لمصلحة ابنه في عام 2013، وليترك الأمير الصغير يتخبط في التعامل مع العواقب.
أوائل حزيران 2014 نشرت صحيفة «الصاندي تايمز» معلومات عن فضيحة خطرة أكدت الرشاوى التي دفعتها حكومة قطر، لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، واستمر أفول نجم قطر مع التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فبعد تولي الأمير الصغير منصبه، عزلت حكومة الإخوان المسلمين في مصر التي دعمتها قطر مالياً وسياسياً، ودخل الرئيس محمد مرسي السجن، وبرز على السطح خلاف حاد بين شركاء ممولي الإرهاب العالمي السعودية وقطر، وأظهر المشهد تحطم إستراتيجية قطر الإقليمية، وتراجعت عوائد استثمارات قطر المشبوهة فيما سمي المعارضة السورية المسلحة لتتضاءل باستمرار مع إخفاق حركة المسلحين الإرهابيين على الأرض السورية في تغيير ديناميكية الحرب، وشعر حكام قطر المتورطون في سفك الدم السوري أن دورهم العربي بدأ يتقزم، ناهيك عن الصفعة التي تلقتها حكومة قطر نتيجة إخفاق مشروع تمويل الإرهاب العالمي وخاصة في سورية.
كل ذلك وغيره جعل أمير قطر الجديد الصغير يملك أسباباً عديدة تجعله يعتقد أن العالم ينقلب ضد حكومته، وهو يواجه التركة المثقلة بالأخطاء التي ورثها عن والده.
ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» بعددها بتاريخ 6 حزيران الجاري، أن الدوحة دفعت مبالغ كبيرة لإطلاق سراح أشخاص قطريين كانوا محتجزين؛ منها 300 مليون دولار ذهبت إلى تنظيمات متطرفة في سورية، معظمها إلى جبهة النصرة التي باتت معروفة بـ«جبهة تحرير الشام» الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة.
مؤخراً ظهرت الخلافات التكتيكية بين قطر والسعودية، الشركاء في دعم وتمويل الإرهاب العالمي وخاصة في سورية، واتخذت السعودية وحلفاؤها خطوة غير عادية وقطعت العلاقات الدبلوماسية وطرق النقل والمواصلات مع قطر، التي اتهمتها بأنها تُغذّي التطرف والإرهاب، والسعودية، الداعمة والُممولة بدورها للإرهاب، تتهم قطر بتمويل الإرهاب، والسعي إلى زعزعة استقرار المنطقة، واعتبروها دولة شاذة ومزعجة تسعي للتصرف بمستوى يفوق قدرتها من الناحية الدبلوماسية، والتدخل في الشؤون الإقليمية، وتمول الجماعات المتطرفة، في سورية وليبيا، وستؤدي العقوبات إلى خسائر ومضاعفات اقتصادية كبيرة على قطر منها قطع خطوط لوجستية، على سبيل المثال، إغلاق منفذ سلوى لقطع إمداد قطر بالسلع، ومنع مرور طائرات الخطوط القطرية فوق السعودية، ومنع تداول الريال القطري، وتم تخفيض التصنيف السيادي لدولة قطر، وهو ما ألمحت إليه بعض وكالات التصنيف والذي سيؤدي لآثار سيئة اقتصادياً.
ما يحدث اليوم هو أكثر من رسالة، بل هو تطبيق فعلي لتباين المصالح، ففي 23 أيار الماضي نظمت أكبر أربعة مراكز بحثية أميركية مؤتمراً في واشنطن برعاية «منظمة الدفاع عن الديمقراطية»، بعنوان «قطر والإخوان المسلمين»، واسُتعرض، خلال المؤتمر أدق تقريرين عن دعم قطر للإرهاب يعودان لعامي 2014 و 2017، وفي هذين التقريرين أسماء العديد من القطريين المطلوبين لاتهامهم بتمويل ودعم الجماعات الإرهابية في أنحاء متفرقة من العالم والمنطقة، ومنهم: رئيس اتحاد كرة القدم القطرية السابق عبد الرحمن العمير، والمدير السابق في بنك قطر المركزي خليفة السبيعي، وهو الممول الرئيس لجبهة النصرة، وعبد العزيز العطية الذي تم القبض عليه في لبنان في 2012 لتمويله جبهة النصرة، وهو ابن عم وزير خارجية قطر السابق، وشقيق مستشار أمير قطر الحالي حمد العطية، وسلمته السلطات اللبنانية إلى قطر تحت ضغوط مارستها الدوحة.
الإدارة الأميركية كانت ولا تزال تعرف دور حكام قطر في تمويل الإرهاب، لكنها تجاهلته، وكشف وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت جيتس، وهو رئيس اللجنة الخارجية للكونغرس حالياً، أن الكونغرس تقدم إلى إدارات أميركية عديدة منذ 2013 بسبعة خطابات يطالب فيها واشنطن بالتدخل الصارم لوقف تمويل قطر للإرهاب ولم يحدث شيء لقطر.
الدوحة منذ عام 2011 دعمت مجموعات من الإرهابيين القريبين من تنظيم القاعدة الذين يقاتلون في سورية، بالمقابل وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون كشفت في إحدى إيميلاتها أن قطر تمول تنظيم داعش وجماعات راديكالية أخرى ويجب التصدي لها، وهذا ما ورد في صحيفة «الفايننشال تايمز».
إن حكومة قطر التي فعلت المزيد لتغذية التطرف وانتشار الطاعون الإرهابي الحالي في العالم، والتي تضخم حجمها بورم الغرور، مع مشكلات وصعوبات خطرة تواجهها، وأدت عملياً إلى تراجع كبير جداً في دورها المصطنع على الساحتين الإقليمية والدولية، تعود إلى حجمها الطبيعي.
ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن حكومة قطر الحالية وبحجمها العادي الصغير ستستمر في دعم الإرهاب العالمي، ربما لم تكن حكومة قطر تتصور أن تلجأ السعودية والدول الخليجية الأخرى إلى هذا المستوى من العقوبات من شركائها بالأمس في تمويل الإرهاب في سورية، ولكن ذلك حصل!
المصالح الدولية ربما ستدفع الاستعمار القديم والحديث للتخلي عن بعض حلفائهم الإقليميين لتتركهم على قارعة الطريق، وهذه هي حال حكومة قطر المنتفخة، ورماً وليس شحماً، فهي تعود إلى حجمها كشبه جزيرة صغيرة، وربما جزيرة صغيرة بعد إغلاق الممر البري الوحيد مع السعودية، وستصبح حكومة قطر مثل عداء شارك في بطولة عالمية وفاز بميدالية ذهبية، لكنها أخذت منه لاحقاً لاكتشاف تعاطيه المنشطات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن