قضايا وآراء

فضائح الحرب المعلنة بين «الإخوة الأعداء»

| بسام أبو عبد الله 

عندما طرح الرئيس بشار الأسد مشروع ربط البحار الخمسة ما قبل عام 2010 لم يكن هذا الطرح فانتازيا سياسية أبداً بل كان مشروعاً لإنقاذ المنطقة من التفكيك عبر التشبيك، وهدف التشبيك هو خلق منظومة جيوسياسية قوية متماسكة اقتصادياً قادرة على تحقيق التنمية المستدامة، والازدهار لشعوب هذه المنطقة، ولكن البعض اعتقد أنه بتآمره على سورية، وتدميرها سوف يخلق لنفسه مشروعاً عثمانياً إخوانياً للسيطرة يعمل كخادم أمين للمعلم الأميركي الكبير، أو مشروعاً سلفياً وهابياً يحفظ عروش «الآل» في الخليج، وبينهما المشروع الصهيوني الذي يستفيد من كلا المشروعين لتأمين المستقبل الإستراتيجي، والديمومة وسط المتحولات، والتطورات التي كان مخططاً لها.
كل صاحب مشروع كان يتحالف تكتيكياً مع الآخر ليستخدمه، والأميركي يُسخر الجميع لتحقيق أهدافه، فالتركي خاض الحرب على سورية والعراق لتفكيكهما وأخذ حصته، موعوداً من الأميركي أن التقسيم لن يشمله، وأن المطلوب دوره، ودعمه لتدمير سورية، أما هو فسوف يكبر أكثر ويتوسع بشكل أكبر، لكنه اكتشف أنه سيقسم ويفتت كغيره من البلدان، وأن الأميركي يستخدم الجميع ضد الجميع، ليخلق حالة جديدة من الفوضى يديرها للوصول إلى أهدافه، وبالطبع أهداف الإسرائيلي ضمناً.
أما الخليج ومشيخاته فقد كانوا مجرد أدوات مستكينة، صامتة خانعة تُنفذ، وتمول ما يُطلب منها من مال، وفتاوى، وإعلام من دون أي سؤال، وكان التسابق قائماً سراً وعلناً فيمن يدفع أكثر، ويحرض أكثر، ويُظهر ولاءه لمعلمه وسيده الأميركي، وأدى كل ذلك إلى استنزافهم مالياً، وسقوطهم أخلاقياً وسياسياً، وانكشاف آلة كذبهم الإعلامية، وصفاقة ووقاحة كتبتهم اليساريين والليبراليين والعلمانيين والإسلاميين الذين جندوهم بالبترودولار، وسخروهم أدوات تافهة لتشكيل الرأي العام والكذب عليه، وها هم اليوم وبسبب صمود الشعب السوري الأسطوري وجيشه البطل وقيادته الصابرة الحكيمة يسقطون في شر أعمالهم وحبائل مؤامراتهم، ذلك أن اللعبة استنفدت على ما يبدو، ولابد كالعادة من أكباش فداء ليدفعوا ثمن الفشل، ذلك أن عُرف الأميركي تاريخياً أن يُصفي أدواته واحدة تلو الأخرى من دون أي رادع، أو وازع أخلاقي، فالأميركي يطبق قاعدته الذهبية: «الغاية تبرر الوسيلة»، وقاعدته الأخرى: «نظرية القتل المستهدف» أي إذا كان قتل حليف يساعد أميركا في تحقيق أهداف أكبر، وأهم فلِمَ لا؟
من هنا: يجب أن يتذكر الجميع تاريخ أميركا المملوء بأنواع الجرائم كافة، لخدمة أهدافها الإمبراطورية، واستمرار الهيمنة على شعوب العالم، وثرواته، بأي ثمن كان.
الآن يقع السعودي والإماراتي بالفخ نفسه الذي وقع به من قبل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وغيرهم كُثر من زعماء العالم عندما يعتقدون أن استمرار بقائهم هو باستمرار عبوديتهم، وأن الرضا الأميركي عليهم، أهم من رضا الله سبحانه وتعالى، ولهذا رأينا المشهد المخزي في استقبال آل سعود الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورأينا حجم الدناءة والوضاعة السياسية والأخلاقية والدينية لآل سعود، ومع ذلك لا أحد يريد التحدث عن ذلك، وإن كان كثيرون يشيرون إلى ذلك بالتمتمة، وخلف الأبواب المغلقة.
ما أريد قوله: إن التقسيم سيشمل الجميع، وإن أولئك الذين يعتقدون أن المعركة هي الآن ضد قطر وتركيا باعتبارهما قلعتي الإخوان المسلمين، وداعمتي الإرهاب في المنطقة، يجب أن يتذكروا أيضاً أنهم كانوا معاً في غرف العمليات نفسها التي كانت تقود عصابات الإرهاب والقتل في سورية، وأنه فور استثماره في الحرب ضد شركائه السابقين، سيأتي الدور عليه حتماً كما هو مخطط له.
الجديد الآن أن عصر الاتفاقيات والتحالفات والكرامات والمجاملات وتبويس اللحى انتهى، فالمطلوب تدمير الجميع بالجميع، وتحطيم كل دول المنطقة التي لن ينجو منها أحد، وأما إسرائيل فيجب أن تبقى الأقوى والأكثر استقراراً والأكثر أمناً وإزدهاراً.
النظام القطري ارتكب كل موبقات العصر وجرائمه، وسخر المليارات لتمويل مشاريع أميركا واسرائيل، وحكومات الظل في العالم، ومع ذلك عندما دفع السعودي أكثر وتعهد بالتطبيع مع إسرائيل وبيع فلسطين والأقصى، حصل على صكٍ أميركي بزعامة وهمية إقليمية معتقداً أن الدور يعطيه الأميركي، وأن التفويض يحمي رأسه من القطع، كما اعتقد صدام حسين ذلك حينما قاتل إيران ثماني سنوات باسم «العروبة»، وكذلك أردوغان عندما دعم الإرهاب لتدمير سورية باسم العثمانية الجديدة، وكذلك الحمدان وتميم عندما حاربوا الجميع، ودمروا البلدان ومولوا تقسيمها تارة باسم الحرية والديمقراطية والربيع العربي، وتارة أخرى باسم الإسلام وفتاوى اتحاد علمائه المنافقين في الدوحة، وأما المضحك أكثر فإن السعودي يعتقد أن الدور الجديد له سينظف صحيفة جرائمه المسجلة والموثقة بدعم الإرهاب مالياً، والأهم إيديولوجياً، ذلك أن ترجمة سريعة لمناهج التعليم وما يدرسه آل سعود في مدارسهم تكفي لتقديم الأدلة القاطعة على من يحرض على الكراهية والعنف والإرهاب، وأما التسجيلات التلفزيونية والإذاعية فهي أكثر من أن تحصى، ومع ذلك يُطرح السؤال التالي: لماذا اختفى الحديث عن قانون «جاستا» ومحاسبة السعودية؟ هل لأن الخمسمئة مليار دولار كانت دفعة على الحساب الأميركي، مع إبقاء هذا السيف مسلطاً على رؤوسهم يُشهر في وجههم عندما يعجزون عن الدفع والتسديد؟
إن حرب الإخوة الأعداء في الخليج، فضحت كذب بياناتهم حول الأخوة الخليجية أو العربية أو الإسلامية، وأظهرت هذه المشيخات بمستوى وضيع أخلاقياً وسياسياً وإنسانياً وإسلامياً، وأن تشدقهم بالحرص على الإسلام والمسلمين كما كان آل سعود يؤكدون، أو آل ثاني يجزمون، ليس إلا جزءاً من منظومتهم الواهمة الحاقدة والعاجزة في الوقت نفسه.
أن تصل الأمور إلى هذا المستوى المنحط فهو أمر نتوقعه، لكثرة ما مارسوا بحق سورية والسوريين من فظائع وقذارات يعجز اللسان عن وصفها، لكن أن يتحول الحج إلى رهينة بيد آل سعود، فهذا أمر يطرح مسألة إخراجه من أيديهم، ذلك أنهم حرموا السوريين بقرار سياسي وحرموا اليمنيين، وجزءاً من اللبنانيين، والآن القطريين.
أفادت وسائل إعلام عديدة أن السعودية تهدد دولاً كثيرة بعدم منحها تأشيرات الحج ما لم تتخذ موقفاً مؤيداً لها بشأن قطر، وتقطع علاقاتها الدبلوماسية معها، فهل أبقى آل سعود قدسية للحج بعد أن حولوه إلى أداة سياسية للابتزاز والضغط، على الرغم من أن المسلم يحج إلى بيت الله الحرام، وليس إلى بيت آل سعود؟!
يبدو أننا نسير باتجاه التصعيد الكبير في المنطقة، وواضح أن إيران هي الهدف القادم، ولكن أيضاً ما تقوم به السعودية، وما تمارسه من إجرام وضغط وابتزاز نقلها إلى مرحلة التخبط والاهتزاز والتوتر، وهو ما يعني انكشاف أوراقها، وتورطها أكثر في حماقات قد تشكل بداية النهاية لها، وهو أمر لا يعني قريباً، ولكن على المدى المنظور على الأقل.
الحرب المعلنة بين الإخوة الأعداء فضحت حقائق كثيرة عن مؤامراتهم على سورية، ولكنها أيضاً فضحت تآمر بعضهم على بعضٍ، وظهورهم كـ«مدن الملح» على حقيقتهم، كما سماهم الروائي الشهير عبد الرحمن منيف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن