من دفتر الوطن

أبطال الضوء

| حسن م. يوسف

كلما فكرت بالكهرباء وغالباً ما أفعل، سألت نفسي: ماذا لو شنَّت الفاشية العالمية وأدواتها المحلية حربها على بلدنا الحبيب سورية قبل اختراع الليد LED، أي «الصمام الثنائي الباعث للضوء»؟
قد يبدو هذا السؤال هامشياً لمن لا يعرف أن اختراع الليد قد ضاعف كمية الضوء التي يمكن الحصول عليها من الكيلو واط الساعي اثني عشرة مرة ونصف المرة! فمصباح الليد الذي يستهلك 6 واطات ينتج ضوءاً يعادل الضوء الذي تنتجه لمبة تقليدية من 75 واطاً. كما أن عمر مصباح الليد أطول بمئة مرة، إذ يصل إلى مئة ألف ساعة إنارة على حين اللمبة التقليدية لا تتجاوز ألف ساعة إنارة!
كثيرون لا يعلمون أن خمس سكان كوكب الأرض ليس لديهم كهرباء، أي 1.5 مليار إنسان! ولهذا هللت لفوز العلماء اليابانيين الثلاثة الذين اخترعوا الليد بجائزة نوبل للفيزياء عام 2014. فهذا الاختراع من شأنه أن يجعل حل مشكلة الإنارة في العالم أسهل.
لم يكن الباص المتجه بنا إلى حلب عن طريق إثريا خناصر المتعرج الضيق يكف لحظة عن التأرجح، ما جعل القراءة المديدة أمراً عسيراً بالنسبة لي، لذا كنت أريح عيني، بين وقت وآخر، بالاستماع إلى الموسيقا.
ومسايرة مني لوجهة الرحلة عنَّ لي أن أستمع، عبر سماعات هاتفي المحمول للكنز الحلبي البديع الفنان القدير صباح فخري، وبمحض المصادفة اخترت الألبوم الذي يحتوي على أغنية «درب حلب» التي يشكو فيها المغني لأمه وأبيه من انقطاع حيله وويل ويله وهو يمشي على درب حلب الذي «كله سجر زيتون»!
نظرت عبر نافذة الباص إلى يمين الطريق فشعرت بانقباض في قلبي إذ لم يقع بصري على أي شجرة من أي نوع في ذلك المدى المفتوح المحروق بالشمس، بل بدت لي من بعيد مسطحات مرقشة بالبياض سرعان ما أدركت أنها بدايات سبخة الجبول.
كدت أغلق ستارة النافذة على ذلك المشهد الكئيب، إلا أنني انتبهت لوجود أعمدة كهرباء جديدة على يمين الطريق، فرحت أراقب المشهد على أمل أن أرى أولئك الرجال، أبطال الضوء، عمال الكهرباء الذين يقومون بنصب أبراج التوتر العالي لإنارة مدينة حلب وهم يعملون تحت الشمس الحارقة في منطقة مقفرة، معرضين حياتهم للخطر على أيدي عناصر الجماعات الإرهابية، الذين يمكن أن يهاجموهم في أي لحظة، مستغلين وجودهم على بعد كيلو مترات عديدة من أي منطقة مأهولة.
صحيح أنني لم أر أي واحد من عمال الكهرباء، خلال بقية الرحلة، ربما لأنني لم أنتبه لهم إلا بعد أن تجاوزت مكان عمل ورشتهم، لكن مجرد رؤية أبراج التوتر العالي الجديدة الممددة على يمين الطريق جعلتني أبتسم للمشهد، وعندما كتبت عن سفرتي إلى حلب لم أشر إلى من سميتهم أبطال الضوء لأنني كنت أنوي أن أكرس لهم مقالاً مستقلاً. ثم غاب الأمر عني خلف غمامة الغم التي غمرتني عندما فقدت أخي وابن أخي في أسبوع واحد. لكن الصديق الطبيب الشاعر المرهف بسام حسين ذكرني بالأمر عندما تكرم هو والروائي الكبير محمد أبو معتوق بالمجيء إلى القرية كي يعزياني.
تحية لأبطال الضوء بدءاً من عمال الكهرباء السوريين الأبطال وانتهاء بمخترعي الليد!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن