قضايا وآراء

معضلة واشنطن في سورية

| مازن بلال 

يمكن للولايات المتحدة عرقلة التحرك الروسي لمكافحة الإرهاب في سورية، ففشل موسكو في خلق تعاون دولي لمحاربة داعش يؤشر على أن واشنطن لديها تصورات مختلفة، فمحاربة الإرهاب بالنسبة لها تظهر في إحداث تحولات عميقة في المنطقة، لا تستند فقط إلى إعادة الاستقرار عبر تحالفات دولية، ويقدم المشهد في سورية ملامح التصورات الأميركية التي تبحث عن بناء مختلف لشرق المتوسط؛ يلبي بالدرجة الأولى تثبيت خطوط مواجهة على الجبهة الشرقية لسورية، والحد من إمكانية ظهور تحالف أقوى على مستوى إيران وسورية.
عمليا فإن التشبث بمنطقة «التنف» السورية، ونقل منظومات أسلحة متطورة إليها يعكس التعامل الأميركي مع وصول الجيش السوري لحدوده الشرقية مع العراق، في حين يمكن رد كل الدعم المقدم لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد» إلى محاولة عزل جغرافية؛ تجعل احتمالات التواصل السوري الإيراني أكثر صعوبة على صعيدي الطاقة والمواصلات وخطوط التجارة، فالتعامل الأميركي مع سورية يسير وفق اتجاهين:
– الأول: تثبيت جبهة من الجنوب الشرقي لسورية لفرض شروط على التواصل الجغرافي من إيران إلى سورية، فهذا الخط سيغير من نوعية التحالف القائم بين البلدين، وسيخلق جبهة يمكن أن تضم العراق، ما يبدل من نوعية الصراع القائم حالياً، ويُصعب مهام أي تحالف آخر تقوده السعودية.
ضمن هذه الجبهة يظهر توازن أردني قلق، فهو متردد حيال الانحياز الكامل لما تسعى إليه الولايات المتحدة، ويبدو أن هذا الاتجاه الأميركي يواجه صعوبة في ملء فراغ واسع من البادية السورية، وما دام الأردن لا يريد الانخراط الكامل في هذا الموضوع؛ فإن واشنطن ستبقى ضمن إطار الردع ونشر منظومات أسلحة من دون القدرة على إيقاف تمدد الجيش السوري على كامل أراضيه، وفي الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة تقدر القلق الأردني وصعوبة التحكم السياسي بتوازنه القائم على تكوين سكاني يشكل الفلسطينيون كتلة كبيرة فيه، إضافة لمجاورته للكيان الإسرائيلي وما يفرضه هذا الواقع من حسابات، فالقلق الأردني سيبقى عاملا حاسما في جبهة الجنوب الشرقي لسورية ما دامت الولايات المتحدة غير قادرة على ضمان مسار الصراع المحتمل.
– الثاني: هو الخط الفاصل لنهر الفرات الذي يعتمد على قدرة الأكراد في خلق قوة سياسية عسكرية في الجزيرة السورية، وتبدو معركة الرقة جزءاً من تثبيت هذه القوة أكثر من كونها دحراً لداعش.
المشكلة في هذا الموضوع تكمن في الواقع الديمغرافي للجزيرة السورية، ومن جهة ثانية في طبيعة التماس بين الجيش السوري وميليشيات «قسد»، فحتى اللحظة لم يحدث أي صراع عميق بينهما، ولكن الأمر يسير نحو إمكانية التصادم، وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى إضعاف ميليشيات «قسد» التي تضم مكونات مختلفة، ومن جانب آخر فإن تثبيت الأكراد ودعمهم بقوة سيزيد من احتمال التصادم مع تركيا، فتثبيت هذه الجبهة ربما يؤدي لتفكيك على صعيد المنطقة عبر الصراع مع أنقرة.
جدية الولايات المتحدة في محاصرة أي تحالف ترعاه روسيا يمنع التعاون في محاربة الإرهاب، لكنه في المقابل يترك التداعيات الناجمة عن التصعيد كي ترسم احتمالات مختلفة، وهو ما يرضي واشنطن ليس فقط عبر إطالة الأزمة السورية، بل أيضاً في توسيع خياراتها أكثر مع انهيار المنطقة وصعود قوى جديدة يمكن أن تغير من التوازنات، فالرهان الأميركي، كما كان سابقا، هو على نتائج التصعيد الذي نشهده اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن