قضايا وآراء

تصرفات «مشيخة صغيرة»!

| صياح عزام 

فجأة وبنبرة تفوح منها رائحة التهديد، يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن قطر دعمت الإرهاب «تاريخياً» ملوحاً باتخاذ موقف ضروري إن لم ترتدع قيادتها عن ذلك وتعد إلى رشدها، كذلك أعلن الموقف ذاته وزير خارجيته ريكس تيلرسون، وإن كانت لهجته دبلوماسية وأكثر هدوءاً.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن فوراً، هل كانت الولايات المتحدة بأجهزتها الأمنية والاستخبارية والعسكرية والسياسية غافلة عن قطر لسنوات طويلة، ما دامت صلتها بالإرهاب «تاريخية» و«على أعلى المستويات»؟! وهل من المعقول أن تكون هذه الإمارة الصغيرة التي تجثم على أرضها قاعدتان عسكريتان، الأولى هي قاعدة «العيديد» التي تعتبر أكبر القواعد العسكرية خارج الأراضي الأميركية، والثانية هي قاعدة «السيلية» وهي قاعدة مهمة أيضاً، قد تصرفت من تلقاء نفسها، من دون تشاور أو تنسيق مع واشنطن؟
هنا يمكن القول: إذا كانت واشنطن لا تعلم شيئاً عن الدور القطري في دعم الإرهاب، فتلك مصيبة بكل المقاييس، وإن كانت تعرف مسبقاً وتتغاضى عن ذلك فالمصيبة أعظم، وبكل المقاييس والاعتبارات.
ما من تفسير لتبدل الموقف الأميركي من قطر، أو بالأحرى محاولات تبريره، سوى أنه وسيلة للتغطية على التورط الأميركي في دعم جماعات تعدها اليوم أنها جماعات إرهابية كانت واشنطن وما زالت تراهن عليها، ومن المؤكد أن دعم قطر للإرهاب، كان بإيعاز من واشنطن، وإلا فما كان لمثل هذه الإمارة الصغيرة أن تأخذ أكبر من حجمها الطبيعي، وتقوم بمثل هذا الدور من دون ضوء أخضر أميركي.
إذاً، الذي تغير، هو الموقف الأميركي بعد مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، حيث بات واضحاً أكثر من ذي قبل، أن الولايات المتحدة في عهد الإدارة الجديدة لم تعد تتبنى المواقف ذاتها من جماعات الإسلام السياسي، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين، وحركة طالبان، وحماس وغيرها عموماً.
قبل مجيء ترامب وطوال سنوات ما يسمى «الربيع العربي» وحتى قبلها، أي خلال ولايتي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في البيت الأبيض، شجعت الإدارة الأميركية حركات الإسلام السياسي وسعت إلى دعم عملياتها، وإلى إدماجها في الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة، إن لم تستطع إسقاط هذه الأنظمة، معتمدة في ذلك، على عدة وكلاء للقيام بهذه المهمة، وقد لعبت قطر دورها في هذا المجال بكفاءة عالية، إذ نجحت في استقطاب قيادات جماعة الإخوان المسلمين وفتحت ذراعيها لحركة حماس، وافتتحت لحركة طالبان مكاتب تمثيل تتمتع بطبيعة دبلوماسية كاملة وفوق العادة، وهذا كله، جاء برعاية وطلب من واشنطن التي رغبت في توظيف ذلك لمصالحها، ذلك أن علاقة الولايات المتحدة بالإخوان المسلمين شهدت سنوات عسل وليس شهور عسل، فقط قبل الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي في مصر، كما كانت الحوارات الأميركية مع طالبان تجري في قصور الدوحة الرسمية وبإشراف أمير قطر شخصياً، وكانت علاقات قطر بحماس، تتم تحت سمع ونظر إسرائيل، فكل الشاحنات الخاصة بالمساعدات، وكل الأموال، أو زيارات الشخصيات القطرية لغزة، بما في ذلك زيارة الشيخ السابق حمد للقطاع، كانت تتم بالتنسيق مع إسرائيل.
لقد اعترفت قطر بذلك مرات عديدة، حيث كان المطلوب من المشيخة أميركياً، تدوير الزوايا الحادة في مواقف الجماعات الإسلامية وإدماجها في موقف واحد ضمن بلدانها.
في هذه الأيام، تبدو سياسة واشنطن مختلفة عما كانت عليه في عهد أوباما، فإدارة ترامب تصرح علناً بمواقف مناهضة للإسلام والمسلمين جميعاً، وتعتبر معظم الحركات الإسلامية حركات إرهابية، وبالتالي اقتربت واشنطن أكثر من مواقف الرياض والقاهرة والإمارات والبحرين، التي لا تكن الود لجماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي عامة، وبالطبع، لعبت صفقات وعقود السلاح الضخمة مع الرياض أثناء زيارة ترامب لها دورها الكبير في تسريع قبول ترامب لوجهات نظر مضيفيه.
الخلاصة، قطر الآن، تدفع الثمن باهظاً لقاء الدور التخريبي الذي لعبته في عدة دول عربية خاصة في سورية ومصر وليبيا والعراق بحماية سياسية وعسكرية أميركية.
هذه هي نتائج صداقة قطر لواشنطن وتنفيذ أوامرها التي ستكلفها الكثير الكثير، وبالتالي، صدق أحد المحللين السياسيين عندما أشار إلى أن صداقة الولايات المتحدة الفائضة عن الحاجة، تكون أكثر كلفة من عداوتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن