قضايا وآراء

العدو الصهيوني والجولان

| نعيم إبراهيم

يأبى الاحتلال الصهيوني إلا أن يؤكد للعالم أجمع أنه نقيض للسلام وأنه لا يدخر جهدا في الفكر والممارسة من أجل السيطرة على مزيد من الحقوق العربية مهما كانت التحولات في المنطقة وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.
ما قاله رئيس «إسرائيل» روفين ريفلين بمناسبة الذكرى الخمسين لاحتلال جزء من الجولان السوري، دليل على ما ذهبنا إليه وهو يتزامن مع مؤامرة الربيع العربي التي نعيش مفاعيلها اليوم في عدد من الدول العربية، ونلمس دور الأدوات المتمثلة بالحكام العرب الرجعيين والميليشيات الإرهابية في تدمير الأرض والإنسان ونهب الثروات والخيرات وصولا إلى محاولات تقسيم وتفكيك هذه البلدان ومنها سورية.
في هذا السياق تماما زعم ريفلين بأن مرتفعات الجولان المحتل جزء لا يتجزأ من منطقة الجليل، وأضاف قائلا خلال احتفال نظمته «إسرائيل» في الذكرى الـ50 لاحتلال الجولان: «اليوم خصوصاً في ضوء التغيرات الإقليمية يبدو لي أن لا أحد يخالف أن الجولان جزء إستراتيجي من دولة إسرائيل وهو أمر ضروري لوجودنا كشعب».
وتابع: «إذا كان هناك من جدل إسرائيلي داخلي حول الجولان فقد انتهى ولن نترك سكان الجليل عرضة للقتل، ويجب على دول العالم أن تعترف رسمياً بأن الجولان جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل وأنه ضروري لوجودنا كشعب».
في المصادر الجغرافية، يحد الجولان، نهر اليرموك في الجنوب، وبحر الجليل ووادي الحولة في الغرب وجبل حرمون في الشمال، ومنطقة وادي الرقاد في الشرق، في حين احتلت المنطقة الغربية من قبل الاحتلال، ولكن يتم التحكم في الثلث الشرقي من سورية.
وفي المصادر التاريخية وقع الجولان عام 1967 تحت الاحتلال الصهيوني، فبعد الحرب العربية «الإسرائيلية» الأولى عام 1948، واتفاقية الهدنة المشتركة في 20 تموز 1949، أصبحت الحدود السورية مع فلسطين المحتلة تضم أربع مناطق منزوعة السلاح، كان الجيش السوري حررها من «إسرائيل» في أثناء الحرب المذكورة، وهي منطقة بانياس، ومنطقة الحولة كَعْوَش، ومنطقة العامرية الحاصل، ثم منطقة بحيرة طبرية مع شريط الحمة وشاطئ بحيرة طبرية الشرقي، وقد تعرضت هذه الأراضي لاعتداءات «إسرائيلية» متكررة، آخرها احتلال الجولان في 5 حزيران 1967، وترافق احتلال الجولان بتهجير معظم سكانه قسراً، تلاه نقل مستوطنين صهاينة إلى مستوطنات في الجولان، أُقيمت بعد الاحتلال مباشرة.
وفي عام 1973، قامت سورية في حرب تشرين المجيدة بتحرير القنيطرة وما حولها من أراضي الجولان المحتل، على امتداد شريط يساير خط الهدنة الجديد، ويضم مدينة القنيطرة وقرى الحميدية والقحطانية وبئر العجم والبريقة والرفيد وغيرها.
لكن سلطات الاحتلال لم تتراجع عن سياستها الأساسية الهادفة إلى احتلال الأرض العربية والتوسع فيها إلى الحدود التي رسمتها المطالب الصهيونية لدولة «إسرائيل» الكبرى، فغيّرت معالم المنطقة المحتلة بتدمير المراكز العمرانية والمنشآت العربية والمؤسسات وبيوت العبادة، وأزالت عشرات التجمعات السكنية من الوجود، ودمرت مدينة القنيطرة قبل تحريرها بأيام، كما اتجهت إلى تحصين المواقع والمستوطنات «الإسرائيلية» تحصيناً قوياً، وربطتها بشبكة كثيفة من الحواجز والتحصينات العسكرية، إضافة إلى عشرات المستوطنات وجلب شذاذ افاق اليها.
غير أن أخطر خطوة في هذا الاتجاه التوسعي الاستيطاني كان إصدار قانون ضم الجولان إلى «إسرائيل»، الذي قدمته حكومة تل أبيب إلى الكنيست في 14 كانون الأول 1981، وتنص مادته الأولى على الآتي: «يسري قانون الدولة وقضاؤها وإدارتها على منطقة مرتفعات الجولان»، وبهذا أخذت «إسرائيل» تتعامل مع مسألة الجولان على أنه جزء منها، وهو الأمر الذي يأتي في سياقه زعم روفلين في الذكرى الخمسين لسلبه.
وفي إثبات الحق جاءت مقاومة عملية الضم من المواطنين السوريين الذين بقوا تحت الاحتلال «الإسرائيلي» وعدم التخلي عن الهوية السورية الوطنية، انسجاماً مع مقررات ومبادئ «الوثيقة الوطنية» التي صدرت عن مؤتمر وطني عقد في قرية مجدل شمس في أواخر عام 1980، حيث أعلن المواطنون السوريون في الجولان الإضراب العام إثر صدور قانون الضم، ردت عليه سلطات الاحتلال باستخدام شتى وسائل القمع والإرهاب والقهر والحرمان، فاعتقلت الكثيرين وهدمت المساكن وفرضت ضرائب جديدة، وصادرت أراضي جديدة وغير ذلك من إجراءات أدت إلى صدامات بين قوات الاحتلال والمواطنين.
قبل مدة زمنية ليست بالبعيدة تعهد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو بعدم انسحاب «إسرائيل» من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، مشدداً على أن الموقع الإستراتيجي على الحدود السورية سيظل «للأبد» تحت السيطرة «الإسرائيلية». وقال: «إننا موجودون في مرتفعات الجولان، ومرتفعات الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد».
إذا كان الجولان هدفا رئيسيا في الفكر والممارسة الصهيونيين منذ عشرات العقود الزمنية ويعمل الاحتلال على إبقاء سيطرته عليه إلى الابد، فهل السلام ممكن مع المشروع الصهيوني؟
كل الحقائق والوقائع تنفي ذلك وتؤكد تمسك سورية، شعبا وجيشا وقيادة، بالجولان وحتمية تحريره وعودته إلى حضن الوطن، والسبيل إلى ذلك يكون بالمقاومة بكل أشكالها ولا سبيل غير ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن