سورية

«لا آمنة» و«لا تخفيف التصعيد»

| أنس وهيب الكردي

نجحت قناة عمان التفاوضية في التوصل إلى تهدئة للوضع في درعا. وترافق ذلك مع حراك روسي قوي هدفه دفع المسار السياسي والعسكري في سورية.
وجاءت التهدئة في درعا التي أعلن عنها الجيش العربي السوري أول من أمس، مفاجئة على أقل تقدير. وهي تعكس الرغبة العميقة لدمشق في إفساح المجال أمام جهود المصالحة الوطنية.
كما تعكس الخطوة الرغبة العميقة لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دفع التعاون مع الأميركيين بشأن سورية، على الرغم من التعقيدات التي تحيط بهذا الأمر.
فالجبهة الداخلية الأميركية تشهد حرباً ضروساً من شأنها غل يدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق أي تقارب مع موسكو، والخلافات الداخلية ما بين مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع «البنتاغون» حول سبل التعامل مع الوجود الإيراني في سورية.
وسارعت واشنطن فور إعلان الجيش العربي السوري عن الهدنة إلى تأييدها، وكذلك عمان. في حين لم يصدر أي تعليق من طهران بشأنها.
ورفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى مسار استانا، بذريعة رفضها لأي دور إيراني في العملية التي انطلقت مطلع العام الحالي في العاصمة الكازاخية. وعقد الرفض الأميركي الجهود الروسية لإنضاج تسوية عسكرية عبر منصة استانا.
والخطوة على أقل تقدير تعني ولادة مسار خاص بالجنوب السوري تحكمه التفاهمات الروسية الأميركية، ولا يبدو أنها مرتبطة، حتى الآن، بمسار استانا الذي رعته كل من موسكو وطهران وأنقرة. فالمنطقة الجنوبية في سورية (القنيطرة ودرعا) مشملة بالفعل بمذكرة إنشاء «مناطق تخفيف التصعيد» الذي وقعه ممثلو روسيا، إيران وتركيا مطلع شهر أيار الماضي.
ويعني إصدار وقف إطلاق نار خاص بالمنطقة أنها لم تعد محكومة بالاتفاق. وبالتالي، أحكام «مناطق تخفيف التصعيد» لم تعد لتسري على المنطقة الجنوبية، كما أنه من نافل القول أن موسكو من المستحيل أن تقبل بإنشاء منطقة آمنة في درعا والقنيطرة، كما تطالب به إدارة ترامب.
ويبدو أن الحوار الأميركي الروسي في عمان لم يتوقف عند حدود المنطقة الجنوبية، فعلى الأرجح أن موسكو وضعت على الطاولة مصير كل من الرقة ودير الزور، حيث يعمل التحالف الدولي بلا هوادة من أجل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي ومنع التواصل ما بين المحور الإيراني في المنطقة.
ودعمت موسكو بالفعل مساعي الجيش العربي السوري وحلفائه للتقدم في أعماق البادية السورية، من أجل بلوغ الحدود السورية العراقية ودير الزور وحقول النفط والغاز شرقي تدمر. ولا تمانع واشنطن تمدد الجيش العربي السوري واستعادته السيطرة على كثير من المناطق بما فيها آبار النفط والغاز، بل واستعادة بعض المعابر مع العراق، إلا أنها تتحفظ على أي مشاركة له في تقرير مصير مدينتي دير الزور أو الرقة.
لكن واشنطن تشترط للموافقة على انتشار الجيش العربي السوري على الحدود السورية العراقية، عدم وجود مجموعات تابعة لحزب اللـه أو مدعومة من إيران، كما سبق لها أن اشترطت نفس الشرط بالنسبة للمنطقة الجنوبية.
على أية حال، تنتهي الهدنة اليوم وعلى الأرجح أن تمدد لأنها لم تكن أكثر من اختبار نوايا ما بين موسكو وواشنطن وقدرة الطرفين على بناء مسار تعاوني يبدأ من الجنوب السوري، ولا ينتهي في دير الزور أو الرقة.
وإذا ما نجح هذا المسار فسيكون لدرعا وجنوب سورية وضع خاص لا هو منطقة آمنة كما تريد واشنطن ولا «منطقة تخفيف تصعيد» كما تريد موسكو، ربما يتم استنساخ تجربة حلب الصيف الماضي مع بعض التعديلات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن