ثقافة وفن

فن الكتابة بالحبر السري

سيلفا رزوق : 

يبدو من الصعب تماماً تخيّل الوجود الإنساني على كوكب الأرض أو غيره من الكواكب من دون أن يرتبط هذا الوجود وبشكلٍ شبه دائم بفعل الكتابة وأدواته!؟ حتى عندما لم تكن تتوافّر أقلامٌ وحبرٌ وأوراق.. وهو ما يبرر محاولة الكتابة على الألواح الطّينيّة وأوراق النّباتات والصّخور.
الكتابة إذاً هي الإنسان ومن أجله.. فهي سيفه وصوته وعزمه والأهمّ الأهمّ ذكراه وذاكرته الحيّة على مرّ الأيام والدّهور.
هذه الحقيقة أو البديهيّة لا تعني مطلقاً ولا بأي حالٍ من الأحوال أن تصبح الكتابة لأجل الكتابة فقط لا غير ومهما كانت المبرّرات أو الاعتبارات أو الأسباب أو المسميات.. فأيّ كتابةٍ لا معنى أو قيمةً فعليّةً لها ما لم تحقّق الأهمية والدّور المطلوب أو المفترض من ورائها والّذي يتحقّق عندما تستطيع أن تدخل بشكلٍ أو بآخر إلى بيت القراءة والعقل والخيال.
فمن دون دخول هذا البيت وتنفيذ هذا الشرط الّذي لا يمكن تجاوزه ولا إلغاؤه ولا تحويره أو التّحايل عليه.. لا معنى البتّة لأي مادّةٍ أو نصٍ أو كتابة.
وهذا من المسلّمات الرّاسخة لدى الكثيرين على ما أعتقد.
البعض وأعني هنا الكتّاب والنّخب والمثقفين.. يحفظون عن ظهر قلب هذا الكلام ولكنّهم يعتبرون «في داخلهم على الأقل» أن هذه القاعدة أو الشرط لا يعنيهم على الإطلاق وهم في حلٍّ منه لا لشيءٍ إلا لأنهم كتّابٌ كبار ويكتبون بأقلامٍ مذهّبةٍ وبحبرٍ سرّي!؟ وبالتالي يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم!
ولا ينطبق عليهم ما ينطبق على صغار الكتّاب أو حديثي العهد بالكتابة؟
ولا يكتفون بهذا «التّعالي» وحسب بل يعملون جاهدين على إغلاق كلِّ الأبواب والنوافذ بوجه كل من يتجاسر ويحاول الدّخول إلى هذه السّاحة الثقافية أو تلك.
وما أن يدخل كاتبٌ أو صحفيٌّ جديد ميدان الكتابة حتى يبدأ أولئك السّادة بملاحقته وتطويقه ومحاصرته بهدف إطفاء نور شمعته بسرعة البرق! والخطّة القديمة الجديدة هي ذاتها.. انتقاد.. تشهير.. تشكيك!؟
فيبدأ التّشكيك بالقدرات والإمكانات ليليه التّشكيك بالأهداف الحقيقيّة ومن ثمّ التّشكيك بالاسم والهويّة وهكذا دواليك حتّى يصل الهجوم إلى السؤال الكبير والخطير: (من هي أو هو؟ كاتب هذه المادّة أو النص؟ ومن يعتقد نفسه؟).
وكأنّ السّاحات الإعلاميّة والثّقافيّة رغم قلّتها محجوزة بالكامل في الماضي والحاضر والمستقبل لكتّابٍ ونخبٍ يمتلكون أقلاماً مذهَّبة وتكتب بالحبر السرّي!؟
الناس أو القرّاء والمتابعون هم وحدهم أصحاب الكلمة الفصل أمام أي مادّةٍ تنشر وهم وحدهم من يعطونها الأهمية والمكانة الّتي تستحق، ونقيض ذلك ليس أكثر من حبرٍ على ورق حتّى عندما يختبئ كاتبها خلف اسمه «الكبير» وأشياء أخرى؟
خاتمة: النّص الأدبي وبأنواعه المختلفة يجب ألا يبقى أسيراً لقوالب وأشكال كلاسيكيّة جامدة لأن الإصرار على ذلك يحجب عنه فرصة الوصول إلى عيون النّاس وعقولهم بأقصر الطرق.. وللحديث تتمّة طبعاً إن قدّر اللـه لنا ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن