من دفتر الوطن

شعب بحالة انتظار

| عبد الفتاح العوض 

أي سوري الآن هو في حالة «انتظار»..
كثير من الأفكار والأحلام والأعمال مؤجلة بفعل حالة «الانتظار»..
ماذا ينتظر السوريون؟!.
في طفولتنا كنا ننتظر أن نكبر.. كل صغير فينا في مرحلة ما «تشبّه» بالكبار حوله أحياناً باللباس أحياناً بطريقة الكلام.. أحياناً بتقليد ما يقومون به.
عندما كبرنا قليلاً كنا في حالة انتظار أن ننهي الثانوية وندخل الجامعة.. حتى.. العمل.
و.. و.. حتى الزواج.. حتى يكبر الأولاد.
ويبقى دوماً إحساس في داخل كل منا أن المرحلة القادمة من حياته ستكون أفضل، وأن الصعوبات التي يعيشها والمشكلات التي يعانيها هي فقط مرتبطة بانتهاء هذه المرحلة من حياته وينتظر أن تنتهي.
قليلة هي الأشياء التي لا نحب أن تنتهي.. وأقل هي الأشياء التي لا ننتظر لحظة رحيلها.
ميزة «الانتظار» الموجودة داخل الإنسان هي وجه آخر للأمل في حياته.
ما الذي يجعل الإنسان يعتقد أن ما سيأتي أفضل مما مضى؟.
الآن السوريون ينتظرون نهاية الكارثة الوطنية التي يعيشونها.
عودة كثير من الناس إلى بيوتهم مرهونة بنهاية الحرب: إعادة الإعمار..
انتعاش الاقتصاد، التخلص من مظاهر الأزمة، وكثير منها مظاهر مقيتة وتصرفات غبية ورعناء ومسيئة.
لقاء أولاد بأمهاتهم وآبائهم مرهون بنهاية الأزمة.. أحلام عشاق مرهونة بنهاية الأزمة.
السوريون في حالة «انتظار».
في التحليل النفسي لحالة «الانتظار» أي انتظار فإن البعض يراها نوعاً من «السكون» و«الجمود»، يقف فيها البشر مكتوفي الأيدي حتى يحدث أمر ينهي حالة الانتظار.
آخرون أو جزء آخر من البشر يتعامل مع حالة الانتظار على أنها «أمل» منتظر، وعندما يكون الإنسان في انتظار الأمل فإنه من الناحية العملية يعيش هذا الأمل وينعكس عليه بشكل إيجابي.
يقول علماء النفس إن سلوك الإنسان في حالة الانتظار.. وخاصة إذا كان ينتظر شيئاً مهماً سواء أكان إيجابياً أم سلبياً يمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى التوقعات.. وفي هذه المرحلة ينشط الناس في تحليل الحالة وإدراج كل التوقعات.. المتفائلون يتحدثون عن توقعات إيجابية، والمتشائمون ينتظرون أحداثاً سلبية.
في المرحلة الثانية يتم ما يطلق عليه إدارة التوقعات ومرحلة الاستعداد الذهني لهذه التوقعات.
بشكل أو بآخر لقد مرّ السوريون بهاتين المرحلتين ومرتا بكل ما فيهما من أخطاء في التوقعات ومن ثم إدارتها.
المرحلة الثالثة وهي مرحلة الإلهاء وهي الاعتماد على وسائل ومواضيع تشغلنا عن التفكير في القضايا الرئيسية.
نحن الآن في مرحلة الإلهاء.. على الأقل قسم منا.
هذه المرحلة تجعل المجتمع يبدو كما لو أنه في حالة «انفصام شخصية».
في بلدنا من مظاهر الإلهاء أن حفلات العرائس ومراسم العزاء جيران.. وأن حالات الزواج تتنافس مع حالات الطلاق.. ومطاعم فنادق «الخمس النجوم» مزدحمة مثل مراكز الإيواء..
والكل… هؤلاء وأولئك… هنا وهناك… الجميع في حالة انتظار عيد حل الأزمة السورية.

أقوال:
يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها.
لا تضيع ما هو ممكن في انتظار ما هو مستحيل.
كل ما يفعله الانتظار هو مراكمة الصدأ فوق أجسادنا.
لا يجب علينا الانتظار حتى يهدأ البحر، بل يجب علينا تعلم الإبحار في البحر العاصف.
* الصبر ليس القدرة على الانتظار.. بل الطريقة التي نتصرف فيها خلال الانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن