ثقافة وفن

بين الملكية الفكرية والملكية المادية يضيع المؤلف … هل يتمكن فراس السواح أن يمضي تقاعده من عوائد أعماله أم إن لصوصية كتبه تمنعه من ذلك؟

| إسماعيل مروة

يذكر كثير من الكتاب مشكلاتهم مع دور النشر، وغالباً ما تكون المشكلات ليست ذات قيمة في مجتمع قرائي، وخاصة عندما يكون الكاتب غير مقروء بالشكل الكبير، وحقوق الملكية التي تعتمدها سورية يجب أن تكون مطبقة على أرض الواقع سواء كان الكاتب مقروءاً أم لم يكن، فكيف إن كان الكاتب كبيراً وإشكالياً وصاحب مشروع، وخاصة إذا كانت حياة الكاتب مخلصة لمشروع قابل للتعديل والتغيير والتطوير في كل يوم!

تزوير الكتب
الكتب التي تم تزويرها ويتم أكثر من أن تحصى، فما من كتاب يحظى بالقراءة ونسبة مبيع إلا ويتم تصويره وسرقته، ويخرج بشكل مطابق لصورته الأولى، وهذه السرقات موجودة، وغير مشروعة، ويمكن أن يتم التعامل معها، ولكن ماذا يتم تجاه من يسرق الكاتب والفكر تحت إطار شرعي وقطعي؟ إن تزوير وسرقة كتب أدبية وروائية وشعرية قد يكون مسوّغاً، أما سرقة الأعمال الفكرية، خاصة في أثناء وجود الكاتب على قيد الحياة، فذاك أمر مرفوض للغاية، ذلك لأن الكاتب يقوم بالتعديل والتغيير بين طبعة وأخرى، فماذا يفعل الناشر إذا كان عقده يلزمه بدفع مستحقات الكاتب؟
وهل من حق الناشر أن يحرم الكاتب من حقوقه، والكتاب الذي كتبه رابح ويباع، وهو من طبعه وفق عقد واضح ومحدد؟

خواتيم الحياة
سمعنا ونسمع عن العوائد التي يمكن أن تأتي من المؤلفات في المؤسسات المتحضرة سواء في بلادنا العربية أم غيرها، فالاحترام في المؤسسات وليس في الدول، فهذا الكاتب أو ذاك يمكن من خلال كتاب أو أكثر أن يحيا حياة كريمة، فالعوائد تأتيه دون طلب، فما بالنا إن كنا نعلم أن نجيب محفوظ يمكن أن يُسرق ولا حول له؟ وماذا لو كان حنا مينة الكاتب الروائي السوري الأكثر مبيعاً يعيش دون أن يستفيد من عوائد كتبه، التي تعود إلى الناشر ولصوص التزوير؟
أليس من حق الكاتب الذي دفع عمره وحورب وتعذب أن يمضي حياته كريماً سعيداً مستوراً؟ من حق هؤلاء أن يحيوا كراماً، ومن واجب المؤسسات الثقافية والقضائية أن تنصفهم الآن فإنصافهم صورة من حضارة البلد.

فراس السواح والحكاية
الكاتب فراس السواح سواء اتفقت معه أم لم تتفق، وسواء رأيت منهجه الفكري في تصانيفه أم لم ترَ، فإنك لا بد أنك ستقف أمامه باحترام، فهو الذي اعتنى بالأسطورة والميثولوجيا والديانات من أول أعماله، وها هو قد جاوز العشرين من المؤلفات الفكرية ذات الوزن النوعي، التي حققت حضوراً وردود أفعال كثيرة منذ صدورها قبل عقود، وقد يكون فراس السواح أكثر كاتب سوري أثار جدلاً، وقد يكون أكثر الكتاب إخلاصاً لمشروعه الفكري، وهو بين فترة وأخرى يعود إلى أعماله ليضيف ويعدّل ويغير، لإيمانه الفكري، ولم يختر أي نوع من التأليف والظهور غير الكتاب، وقد اختار السواح أن يطبع مؤلفاته في سورية، فأوكل إلى دار نشر (ع) أمر طباعة مؤلفاته ووفق اتفاق شفهي انتقل مكتوباً ومحدوداً، ورسمت معالمه المادية والزمنية، ولكن يبدو أنه علق مع نوعية لا تحترم الكاتب، ولا تحترم عقداً أو عهداً، وتم التعامل مع الكتاب على أنه سلعة لا قيمة لها ما أغضب الكاتب الذي اكتشف أنه بتاريخه الفكري الكبير وباسمه تحوّل إلى متسول يستجدي من لا يفك الحرف للحصول على حقوقه، ونتيجة التزوير الرخيص، فإن الكتب تتناسل دون قيد أو رقيب ولا تنتهي الطبعة، بل لا تنتهي شكوى الناشر.
وفي زيارته الأخيرة إلى دمشق حدثني الكاتب عن مشكلاته مع الناشر (ع) التي أدخلته أروقة المحاكم من دون فائدة، ولكن سفره جعله يترك للقضاء السوري أمر إنصافه، ومن مقرّ عمله أرسل لي رسالة يلخص فيها حكايته مع النشر والناشر، ولا أريد أن أعرضها كاملة، ففيها الأسماء واضحة، وفيها سرد حكاية كاتب فكري مهم يمكن أن تفاخر به الدول واللغات يتعرض للإذلال فوق تعرضه لسرقة جهده وعمله، وفي الرسالة مقاطع تدل على خوف الكاتب من الفقر والعوز وهو الذي اقترب من لحظة التوقف عن العمل الوظيفي وهذا يجعله أكثر حاجة لكتبه وعوائدها ليتم رحلته.

كتب فراس السواح
أراد فراس السواح أن يحفظ أيامه المتبقية بجهده الفكري، وهو يعود إلى كتبه ودراساته ويعيد النظر فيها، لأنها قابلة للتطور، فوقع عقداً مع الدار التي أخلت بالعقد، ولنا أن نتخيل شخصية بوزن فراس السواح تتعرض للمهانة للحصول على حقوقها، فكيف يكون الحال عند الكتاب الذين لم يصلوا إلى مستوى هذا الكاتب؟ وقدمت له عروض عدة، منها عروض من دور نشر لبنانية وعالمية لينشر كتبه من خلالها، لكنه مرة أخرى يختار دار نشر سورية للعمل على كتبه، وحجته القرب والمراجعة والمتابعة في كل طبعة، ولم يباشر عقده إلا بعد الانتهاء من التزامه مع الدار الأولى، وقد احترم الوقت والزمن معها على الرغم من إخلالها، وأقول: إذا كنا غير معنيين، أو غير قادرين على تأمين أفضل الفرص لكاتب مبدع مميز، فماذا نفعل أمام حقوقه المشروعة؟ حقوق الملكية الفكرية والمادية نص قانوني موجود في سورية، ألا يمكن تفعيله بطريقة تحفظ حقوق الكاتب والناشر على السواء؟
لست معنياً بدار معينة، لذلك أستعير بعض ما كتبه لي الأستاذ فراس السواح من مغتربه، وأترك للقضاء أمر إنصاف هذا الكاتب الذي نباهي به.
«وبعد سنتين من الاتفاق عرض علي مبلغ مكافأة سنوية مقطوعة تدفع مقسطة كل شهر، فوافقت لأني تعبتُ من إجراء الحسابات الشهري.. لكن الدفع لم يكن منتظماً، إضافة إلى أنه حولني إلى وكيل مبيعاته في حلب ثم في حمص-! فقد كنت أزوره عشرات المرات لأحصل على مكافأة مقسطة ألفاً أو أقل من ذلك…».
ترى لو كان توقيع السواح مع دار لبنانية أو عربية أو سورية تقدّر الفكر فهل عاملته بهذه الطريقة؟
«وقبل انتهاء مدة عقدي معهم أبلغتهم بصورة قانونية عدم رغبتي في التمديد عن طريق الكاتب بالعدل في دمشق».
«لم يكن عدم احترام الناشر للمؤلف السبب الرئيسي الذي دفعني لفسخ العقد، وإنما عدم احترامه للكتاب، فهو يخرج الكتب بصورة تشبه الفوتوكوبي، وبورق رديء وإخراج يسيء إلى الكتاب».
«ومع ذلك استمر الناشر في طباعة وبيع مؤلفاتي، وتحصيل مرابحها وكأنها كتب مشاع لا حقوق ولا مؤلف لها».
هذا جزء بسيط مما كتبه الأستاذ فراس السواح يتحدث فيه عن معاناته مع كتبه، ولم أكن لأطرح هذا الأمر لو كان المؤلف شخصاً آخر، فالسواح كتبه ومؤلفاته على كل شفة ولسان، وتباع، فلم هذا التعامل؟
وألفت إلى أن وسائل الطباعة الرديئة بالريزو وغيرها أعطت المجال لسرقة المؤلفات سواء كانت داخلية أم خارجية، وتسيء إلى حركة النشر في سورية.
أمر الأستاذ فراس السواح بين يدي القضاء، والعقود موجودة، وهو في طريقه للإنصاف، ولكن تزوير الفكر ألا يستحق إجراءات صارمة؟
وبعبارة معبرة لفراس السواح السوري الذي لم يفضل على سورية مكاناً أو ناشراً أختم: «فضلت دار نشر سورية دار التكوين لقربها مني إذا ما أنهيت غربتي في بكين في السنة القادمة» فمع التقاعد هل يبقى كاتب مثل فراس السواح تحت رحمة ناشر لا يقدر الفكر؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن