ثقافة وفن

المشاهد والمعلن يرغبان في الإنتاج السوري رغم محاربته … إياس أبو غزالة لـ«الوطن»: عربياً نحن سادة مهنة الدوبلاج وللأسف لا توجد جهة تقوم بحمايتها

| سوسن صيداوي

أصبح أمراً شائعاً أن نسمع بكلمة «دبلجة» أو الأعمال «المدبلجة»، وأصبح معروفا أن هذا المصطلح يُستخدم عند تركيب صوت بديل لممثلين مختارين لتأدية أصوات الشخصيات المصورة بلغة أخرى، سواء في المسلسلات أم الأفلام أو الأفلام الوثائقية أو الكرتون. ولكن أروع ما في «الدبلجة» أنها لا تتقيّد بلغة معينة من لغات العالم، وخاصة أن مشاعر الفنان المدبلِج تصل إلينا من خلال تطابق حركة الشفاه مع النص الذي يؤديه صاحب الشخصية الأصلية، ونظن للحظات ولولا اختلاف المنطقة المنتجة للعمل، بأن المدبلِج هو صاحب الشخصية الحقيقية. إذا هنا البراعة وهنا الحرفنة، وهذا ما تتطلبه أي صناعة بالعموم والدبلجة على الخصوص، نعم يا سادة أصبحت سورية في مجال الدوبلاج هي الرائدة في الوطن العربي، وما تقوم بدبلجته من أعمال هي المطلوبة والمحبوبة في الوقت نفسه، لأن اللهجة السورية البيضاء هي الأقرب للقلوب إضافة إلى براعة الفنان السوري. ولكن هذه المهنة تتعرض للكثير من التحديات وإلى منافسة محلية ومنافسة خارجية، وفي الحقيقة شرّ المنافسة المحلية يبقى أرحم بكثير من الخارجية التي تحاول السيطرة على السوق وفي النهاية الاستيلاء عليها، وحول هذا الموضوع نتحدث عن بعض النقاط.

تجمّع «صوتنا فن»
في وقت سابق لم يكن للفنانين الذين يعملون في مجال الدوبلاج في سورية أي مرجعية يعودون إليها في حفظ حقوقهم والسعي لتحصيل أجورهم، أو لفض الخلافات والنزاعات التي يمكن أن تنشأ بينهم وبين الشركة المنفّذة لعمليات الدوبلاج، ولكن بمساع شبابية تم إنشاء تجمّع «صوتنا فن» الذي أخذ على عاتقه الاهتمام بكل قضايا الدوبلاج، وحول تشكيل هذا التجمّع تحدث الفنان إياس أبو غزالة الذي كان هو من أطلقه وقام برعايته لفترة من الزمن، قائلاً: «بداية في تاريخ 1/4/2016 اجتمعنا أنا وأصدقائي الفنانون العاملون بالدوبلاج، وقمنا بتوقيع وثيقة جاء بمضمونها: إننا بكل محبة نريد أن نطالب الشركات بتعديل الأجور إلى حد يصل إلى ثلث ما كنا نأخذه قبل الأزمة، وفي هذا الطرح وقف معي كل زملائي، وعلى أساسه أمهلنا الشركات عشرة أيام كي يتم تعديل الأجور أو سنقوم بمقاطعة الشركة التي لن تنفذ مطالبنا. وهذا ما دفعنا لاحقا إلى تأسيس تجمّع «صوتنا فن». وضعت له ورقة عمل، وحصل التجمّع على الدعم اللازم من نقابة الفنانين من خلال الأستاذ زهير رمضان، ومن لجنة صناعة السينما والتلفزيون لكون شركات الإنتاج تابعة للأخيرة، وبقيت مستمرا بهذا المشروع إلى أن استقلت».
محاربة النجاح

طريق النجاح صعب ومزروع بالفخاخ التي يضعها الفاسدون الساعون إلى تكسير الطموحات وعرقلة أي عمل جماعي ناجح، وخاصة أنه يعود بالخير والفائدة على الجميع، هذا الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة ومنها: لماذا الخطوات الناجحة لا تدّعم كي تستمر، ولماذا علينا دائماً أن نعوق نجاح زملائنا، ولماذا لا نحب فكرة أن يعمّ الخير علينا جميعا، أسئلة طُرحت وهناك أسئلة أخرى سنجد أجوبتها في حديث الفنان إياس متابعا: «بالفعل في هذه المرحلة بدأ البعض من الزملاء بالالتفات إلى ما أقوم به وكأنني أقمت هذا التجمع لمآربي الشخصية، على الرغم من أن هدفي منه منذ البداية هو حل مشاكل أساسية في مهنة الدوبلاج والحفاظ على هذه المهنة وتطويرها كلها، ومن خلاله أصبح هناك دعم أكبر للأصوات السورية من حيث الأجور التي كانت خلال الأزمة لا تتماشي أبدا مع أدنى احتياجات الحياة وضروراتها. وبالفعل قمنا برفع الأجور إلى خمسة أضعاف. ما أريد تأكيده أن غايتي وهدفي الأساسي من تجمّع «صوتنا فن» كانت ومازالت، تحقيق مصالحنا جميعاً كفنانين بعيداً عن أي مصلحة شخصية وسأبقى داعما له».

مطب جديد
تتعرض مهنة الدوبلاج السورية للمحاربة في بعض المحطات، وهذا أمر طبيعي لأنها حققت الانتشار الساحق، الأمر الذي يدفع الممولين من دول الخليج، على الخصوص، بما أمكنهم من طاقات وحتى إمكانيات للحد من انتشار هذه المهنة، وخاصة لأنها مرغوبة والمشاهد العربي يحب اللهجة السورية المنطلقة من أجمل الأصوات وأكثرها مهنية والقادرة على إضفاء طابع جديد للمسلسلات سواء أكانت تركية أم هندية أو إيرانية أو مكسيكية، وللحديث أكثر عما يحصل في الوسط كان الفنان إياس أبو غزالة كتب على صفحته على الفيس بوك قائلا إن أحد أكبر المحطات الفضائية التي تعرض مسلسلات مدبلجة، على ما يبدو، تخطو خطوة باتجاه تغيير سياستها بالعمل، بفك حصر ارتباطها مع الشركة السورية التي تعمل معها، مضيفاً إن العمل ما دام محصورا في سورية ومع الشركات السورية الوطنية، هو أمر جيد وسيتيح هامشاً للمنافسة بينها لتقديم الأفضل والارتقاء بمستوى الدوبلاج السوري، مشيراً إلى أن الخطورة تكمن بأن قرار هذه المحطة أتى لا حباً بالفنان السوري ولا حباً بالشركات السورية، بل أتى ليتسنى لفناني وشركات دولة مجاورة بالدخول إلى هذه الصناعة كما حدث في الدراما، سواء باستدعاء الفنانين السوريين إلى هذه الدولة لإنجاز العمل أو بواسطة شركات سورية مُنفذّة. وخلال لقائنا معه أضاف: «نحن نواجه كرها كبيراً من دول الخليج، وللأسف الشديد مازلنا من حيث الفن نربط أنفسنا بهم، لأنه ليس لدينا فضائيات، وإنتاجنا لا نبيعه محليا، كما هو الحال في مصر مثلا التي تملك عدداً من الفضائيات، وهنا أعود لتأكيد دور المعنيين في منح التراخيص لإنشاء فضائيات سورية، ولابدّ من الإشارة إلى حقيقة مهمة، وهي أن المشاهد والمعلن يريد الإنتاج السوري ويرغب فيه إلا أن بعض المحطات العربية تقوم بمحاربته، كما علينا أن نستذكر ما حدث في عام 2005 عندما قامت بعض الفضائيات بمقاطعة الدراما السورية، وحينها قام الرئيس بشار الأسد بالتوجيه بتعويض شركات الإنتاج، وكمثال آخر، في بداية الأزمة قاموا بتوجيه عمليات الدوبلاج إلى دول مجاورة وعندما فشلوا اضطروا إلى العودة إلينا. ولكن ما يُحاك اليوم ضد الفنان السوري هو توجيه الأعمال إلى شركات في دول مجاورة، من أجل أن يطعّموا أصواتهم بالأصوات السورية. وهنا قد يستغرب الكثيرون أين الخطورة في الموضوع؟ ويأتي الجواب أن هذا التعامل لن يستمر طويلا، لأن تلك الشركات تكون قد حصلت على السوق وعلى العمل. هذه الأمور كلّها دفعتني لدعوة أصدقائي إلى أن ينتبهوا إلى هذا الخطر، لأن مصير الدوبلاج سيكون كمصير الدراما السورية وما تواجهه، حيث نجد أن البطل والبطلة سوريان والباقي ممثلون عرب، والجدير بالذكر أن عمل الدوبلاج لا يقل أهمية عن أي عمل درامي، ففي العمل الواحد هناك أكثر من ستين فناناً يعملون فيه إضافة إلى المشرفين والمعدّين والمخرجين والفنيين ومهندسي الصوت، وما سلف ذكره سينال من فرص عمل هذه الكوادر أيضاً. وفي الختام أريد أن أؤكد أننا نحن السوريين سادة هذه المهنة ويجب ألا نفرّط بها، ومن هذا على الفنان أن يتمسك بسوريته مهما كان الثمن كبيراً ومغرياً، وأحب أن أنبّه الجهات المعنية من هذا الخطر كي يتم الحفاظ على هذه الصناعة السورية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن