اقتصاد

«القمح».. خطة إخفاق محكمة!!

علي هاشم : 

بهدوء، دشنت الحكومة مرحلة «التبرير اليائس» من برنامجها التقليدي المخصص لتبرير الفشل في تسويق محاصيل الحبوب.. المرحلة الجديدة التي بدأت الأسبوع الفائت هي الثالثة ضمن لوائح البرنامج، إذ عادةً ما يسبقها مرحلتا «شغف التحضيرات» مطلع الموسم و«الصدمة» أيام الحصاد، كما يليها مرحلة الإعلان عن أن «القمح لا يزال في منازل الفلاحين ويصعب نقله».!.
البرنامج نفسه أضحى ابتكارا يستحق «ملكية فكرية» عن طرائق لصق المسؤولية بـ«ضمير الغائب».. هذا العام، انضمم إليه رئيس اتحاد الفلاحين على ما يبدو، ففي جلسة خصصها مجلس الشعب لمناقشة قضية القمح، أبدى الرجل براغماتية تبريرية لافتة، متخلياً عن توصيف «المجزي» لدى تناوله سعر الحكومة للكيلو غرام من أقماح الفلاحين، لمصلحة تعبير آخر دعاه بـ«السعر المدروس والعادل».
كشريك في وضع السعر، حالف رئيس الاتحاد التوفيق في تجاهله تعبير «المجزي» بعدما دحضته الأسعار العالمية «والمحلية في المناطق الساخنة»… لكن، ماذا عن تعبيره الجديد؟!
للمصادفة المحضة، تزامن إطلاق التعبير مع قول لوزير المالية إن «العدالة في السماء فقط».. بالفعل فـ «العدالة» لغة لا تفهمها الأسواق التي تنطق بالعرض والطلب، وقياسا بالخطط المعلنة لمرتزقة ما يسمى «الحكومة المؤقتة» للحيلولة دون تسويق ولو كيلو واحداً إلى «صوامع النظام»، حتى لو كلفها الأمر شراءه ورميه في البحر؟!.. كيف لنا أن نتكئ على عدالة التسعير لاستجرار المحاصيل؟!.. أما في شق «التسعير المدروس»، ووفقاً للنتائج، يبدو أكثر نجاحا لمنع الأقماح من الوصول إلى صوامعنا!، وإن لم يكن الأمر كذلك، فلعل رئيس الاتحاد يفصح عن منطقة الدراسة التي وضع السعر على أساسها: درعا، الحسكة، حلب، أم في حماة؟!.. وعلى ذكر الأخيرة، فلم تلق الحكومة بالاً للعدالة ولا للكلفة حين اشترت شوندرها السكري من الفلاحين وباعته بخسارة 30%.. لو درست سعر القمح وفق مقاربة شبيهة، فلربما كانت ملأت بعضا من صوامعها اليوم.
ما تم تسويقه من أقماح حتى اليوم لا يتجاوز 300 ألف طن، وبفرض تضاعف الكمية حتى نهاية الموسم، فسنستورد ما لا يقل عن 1.5 مليون طن أخرى ثمنها نصف مليار دولار لنأكل خبزاً فقط.. هذه بشرى جيدة للمستوردين، فـ«غذاء الشعب» يتقدم في أولويته حتى على المتطلبات العسكرية، لكنه -بالتأكيد- نكسة للاحتياطيات النقدية؟!.
بعض التسريبات القادمة من المناطق الساخنة يشير إلى تبرؤ الفلاحين مما يسمى «الحكومة المؤقنة» لعدم قدرتها على شراء مواسمهم رغم «فتاواها الشرعية» بحرمة تسويقه «لمناطق الكفار».. قد تبدو الفرصة متاحة لاختبار قدرة «سعر مناسب» على تعديل وجهة أقماحهم نحو صوامعنا.. لكن الحكومة -على عادتها- لن تحرك ساكنا!.
وما يثير الدهشة هو شكواها الدائمة من التراجع الحاد في ميزاننا التجاري وتدهور العملة الوطنية مع هذا القدر الهائل من انكشافنا الاقتصادي!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن