قضايا وآراء

كلام مسؤول

| رفعت البدوي 

تعبر المنطقة العربية وشعوبها عباب أمواج عاتية وسط بحر هائج مملوء بالخلافات والانقسامات والتشرذم، فاقدة اتجاه البوصلة الصحيحة التي تقودها إلى مرفأ آمن يمكنها من إلقاء حبل الرسو، على حين العدو الإسرائيلي يستفيد من لحظة الضياع العربي وسط هذا البحر الهائج، ليجد الأرضية المناسبة لتنفيذ مآربه الرامية إلى طمس القضية الفلسطينية وضرب كل حركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي وخصوصاً في ظل الخلافات العربية وغرقهم في وسط بحور من المؤامرات والتجاذبات التي ضربت معظم الوطن العربي.
في الخليج العربي يستعر النزاع وسط شروط وشروط مضادة، لكن الخلاف الحقيقي هو أبعد ما يكون عن تلك الشروط المعلنة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ومن ضمن الشروط السعودية الإماراتية قطع العلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين إضافة إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران أو قطع العلاقات معها.
ولتبيان الحقيقة فإننا نعرض ما يلي:
إن المملكة العربية السعودية هي أول من استضاف تنظيم الإخوان المسلمين في الثمانينيات على أراضيها وهي تدعم تنظيم الإخوان في اليمن منذ عقود من خلال تنظيم الإصلاح وهي تدعم السودان الآتي من خلفية الإخوان وهي أيضاً من استعان بالقوات السودانية الإخوانية في حربها على اليمن وهي من دعم تنظيم الإخوان في سورية، إذاً الموضوع ليس موضوع الإخوان.
وإذا أخذنا الشرط الثاني المتمثل بقطع العلاقات مع إيران فإننا نبرز الآتي:
لماذا لم تبادر السعودية نفسها إلى قطع علاقاتها مع إيران فيما تفرض المسألة كشرط لا بد منه على قطر؟ أما في المقلب الآخر فنسأل لماذا لم تبادر الإمارات العربية إلى قطع العلاقات مع إيران التي تتهمها الإمارات باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى؟ ولماذا لم تبادر الإمارات إلى قطع التعامل الاقتصادي بين إيران والإمارات والبالغ نحو 20 مليار دولار سنوياً.
نكتفي بذكر تلك الشروط المفروضة ليتبين لنا أن موضوع النزاع الخليجي هو أكبر من تلك الشروط المفروضة على قطر وهو تنفيذ الأجندة الأميركية الإسرائيلية.
باختصار موضوع النزاع الخليجي يتلخص في أمرين الأول حول استمرار تأمين تدفق الأموال الخليجية والقطرية بانتظام إلى أميركا، والثاني والأهم هو الضغط على قطر من أجل وقف كل أشكال الدعم عن قطاع غزة والاستفراد بها اقتصادياً وعسكرياً تمهيداً لضرب كل تنظيمات المقاومة الفلسطينية التي تهدد أمن العدو الإسرائيلي، من هنا تبرز المحاولات الدؤوبة لدى الإدارة الأميركية في فرض عقوبات على لبنان للضغط على حزب اللـه اللبناني الذي بات يشكل العقدة الكأداء للعدو الإسرائيلي.
وسط هذا التآمر العربي الواضح والقاضي إلى تصفية كل حركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي وبالتالي إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها برز كلام على مستوى كبير من المسؤولية في يوم القدس، حين ظهر الأمين العام لحزب اللـه اللبناني السيد حسن نصر اللـه ليبشرنا أن شعوب المنطقة العربية أضحت أكثر وعياً لما يحاك ضد مصالح العرب وضد فلسطين، وانتقلنا من الحلف إلى صراع المحاور الأول محور المقاومة ومحور القدس، والثاني محور التآمر والاعتراف بأورشليم.
المعروف أن الأمين العام لحزب اللـه لا ينطق عن الهوى أو لمجرد شحذ الهمم، بل إن المتعارف عليه أن العدو الإسرائيلي يصدق كل حرف ينطق به حسن نصر الله.
أصبحنا نعيش في ظل محور المقاومة المتمثل بإيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن وحتى باكستان ومن كل الشرفاء في هذه الأمة، وللدلالة على جدية الأمين العام لحزب اللـه حيث قال: إن أي عمل عدائي ستقوم به إسرائيل ضد المقاومة لن يبقى محصوراً بجغرافية معينة بل إن مئات الآلاف من المقاتلين من لبنان وسورية واليمن والعراق وفلسطين وباكستان سيشتركون في المعركة ضد العدو الإسرائيلي، وهذا ما أرعب العدو ودفع وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبيرمان إضافة إلى هيرتزي ليفي للقول في مؤتمر هرتزيليا الأخير: إن أفضل ما تقوم به إسرائيل هو إبعاد خطر الحرب عنها بوساطة الردع ولعشرات السنين ضماناً لبقاء وجود إسرائيل.
الأمور باتت واضحة، فالكلام الأخير للرئيس بشار الأسد خلال انعقاد مجلس الوزراء السوري، كان واضحاً وضوح الشمس معلناً نصر سورية متجاوزة لكل محاولات التقسيم من خلال إنجازات الجيش العربي السوري والحلفاء في البادية والتمكن من إنجاح عملية وصل الحدود العراقية مع الحدود السورية، وبذلك تمكنت سورية من كسر شوكة المؤامرة التي ضربتها على مدى السنوات السبع الماضية، مضيفاً: إن ما يطبخ في الخارج لا نهضمه ولا تستسيغه السيادة السورية وسنقاومه بكل الوسائل، ولم ينس الرئيس الأسد الالتصاق بهموم المواطن الذي وصفه بالشعب الذي صمد صموداً أسطورياً ولولا هذا الصمود لما كنا هنا اليوم ويجب الأخذ بالحسبان تأمين المقومات الأساسية له في حياته اقتصادياً وأمنياً، داعياً إلى إزالة كل الأشكال التي تستفز هذا المواطن البطل الصامد.
إذاً سورية انتقلت إلى مرحلة المحور المقاوم، إنها مرحلة جديدة تقضي بترتيب جني ثمار هذا الانتصار، إنه رئيس وقائد عربي وكلامه بمنزلة كلام مسؤول من قائد مسؤول قاد بلده بمسؤولية كما أنه سيقود الأمة العربية بالمسؤولية ذاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن