ثقافة وفن

هل الغد من صنعهم؟

| إسماعيل مروة 

يدهمك أحدهم بحديث ذي شجن عن الوطن والانتماء إليه، وحين يصل إلى منتصف حديثه يتهيأ لك أنه الوطني الأول، وأن وطنيتك بحاجة إلى إعادة تأهيل، وإلى إعادة نظر مخلصة لعلك تصل إلى ذاك المستوى من نبل الوطنية! وحين يقترب في حديثه من الخواتيم قد يصل الحد بك إلى اتهام ذاتك بخيانة الوطن ومسلماته ومقدساته، فما يقوله محدثك المضرّج بالخواتم الذهبية والأطواق والسلاسل، وهو يدخن السيجار أو البايب وينفث دخانه في وجهك لم تسمع به من قبل، ولا من أهم الكتاب والشعراء، حتى من شعراء الرومانسية الحالمين الذين يقولون ما لا يفعلون!
أنت الذي تسكن مذبح الوطن من نحره إلى نحره، وتتوه في قممه وهضابه ومغاوره ووديانه، أنت الذي تتعبد في محراب وطنك الأسمى والأغلى، وتتوه به وتخشى أن يغطي التراب أو الغبار أطراف أصابع قدميه، أنت الذي تسكن وتتعشق كل مسام من مسامات وطنك المعبود، وترى حجارته الباردة أو الحارة سريراً لا يدانى في كل لحظة وحين، أنت، وكل صلواتك على كل شارع وفاصلة لا تصل إلى مستوى الوطنية التي يتحدث بها هذا المتحدث النبيل..!
كان ذات يوم يحلم أن يقدم أحدهم له لفافة تبغ لأنه لا يملك ثمناً لتبغه، وأنت كنت تقدم له هذه اللفافة، اليوم يدخن سيجاره، ويحمل غليونه، فتارة يشعل سيجاره، ويتحدث عن آليات حفظه وترطيبه وقصّه وإشعاله، ويسخر ممن يشعل سيجاره بقداحة عادية.. واليوم يحدثك عن أنواع تبغ الغليون، ويفصّل في الفاخر منها، وينظر إليك شذراً وأنت تدخن لفافة عادية كنت تقدمها له ذات يوم.. أنت تعمل ليل نهار، وفي وظائف عامة وخاصة وتعاني تأمين احتياجاتك ولفافاتك، وهو لا يعمل، ويسكن في أماكن سياحية من أجل سلامته، ويترك عدة بيوت يملكها في المدينة فارغة، لأنه يخاف على نفسه! إنه يعرف الوطنية الحقة التي تجعلك تشك في انتمائك، وربما كان على حق، لأنه رضع كل ضرع فهو أدرى بمسامات الوطن، وهو الذي لا تغريه من وطنه أطراف الأصابع التي نالها غبار، ويحرص على أن يرى الوطن عارياً أمامه بتمامه ليختار منه ما يشاء وما يحلو له! والوطن يعطيه ما يريد، ويتركك متأملاً فيما يظنه الآخرون غير قابل للعشق.
كان يحلم أن تحدثه فتاة، أي فتاة، ولكن قذارته حالت دون أن يحظى بالتفاتة من إحداهن، فهو يجمع كل دمامات الأرض وقباحاتها الجسدية والروحية في ذاته ويتهيأ لك أنه لم يترك فائضاً من القباحة لسواه، تراه اليوم يستخرج موبايله ليريك أجمل الحسناوات في ضيافته في هذا المكان أو ذاك وهي تلف جسدها بابتسامة كاذبة يغطيها العهر… كان يحلم، وهو اليوم يحدثك عن آخر نظريات الجسد، ولا ينسى أن يفرك إبهامه بإصبع مجاورة، ليخبرك أن المال وحده هو القادر على خلق حياة مختلفة، ولا يعنيه أبداً أنه واحد من العابرين عبر الطريق المعبد بالمال والسلطة.! وكما تعلمت منه الوطنية وكيف تكون مع السيجار والغليون، بكل قباحة غليون تتعاقبه الأيدي، كذلك تتعلم منه آليات انتهاك جسد وطن تمثل في امرأة أفقرها لتكون معه، أو أغراها لتبيعه ما لا يمكن أن يقدر قيمته!
هل ثمة من خلاف بين العهرين؟
الأرض وطن والوطن شرف
المرأة وطن والمرأة كرامة
انتهاك لعذرية الصوفي بوطن وامرأة يمارسها شذاذ الآفاق الذين دلفوا ذات ساعة من زمن مشؤوم إلى أرض ادّعوا أنها وطنهم، وها هم يشكلون طبقة جديدة كل همها أن تعهر بوطن وشرف!
يدهمك هذا
يفاجئك ذاك
ويصعقك ثالث
وأنت شاهد على كل ما مضى، وينسى كل منهم أنه لا يجيد شيئاً، ويصدّق نفسه، ويحاضر فيك وطنية وعشقاً وألماً.. وأنت ما تزال متشبثاً بخفي الوطن لإزاحة الغبار عنه..!
قد يركلونك ذات ساعة ليصبح الغد من صنعهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن