ثقافة وفن

سورية بقيت في روحي مثل حبي الأول … تسونف: أثق في الأحسن… دمشق المدينة الخالدة وستبقى مركزاً لسورية الحية دائما

| سوسن صيداوي

خلال وقت قصير جداً تحولت الدولة المسالمة والهادئة إلى فوضى حقيقية، ولا أحد فيها يغفر لأحد، وللمعلومة، الأحداث المشابهة في سورية ليست بعيدة عن تطور الأحداث في البلدان العربية الأخرى والتي دُعيت بكل بساطة وبسرعة كبيرة «الربيع العربي». عبارات تقدّمت في الفصل الأول من كتاب «الحرب على سورية.. الإعلام.. الكذب.. الحقائق» للدكتور كيرياك تسونف. وكتاب سورية الحرب على أرض آدم وحواء… قراءة غير عربية وغير سورية فيما يحدث على أرض سورية، ضمن ما أطلق عليه «الربيع العربي»، ولكون القراءة غير سورية دفعت الكاتب إلى الغوص بعيداً، فتناول جذور المشكلات في المنطقة العربية، والتي أدت إلى قيام هذه الحروب. الكاتب في الوقت نفسه متعاطف مع سورية ودمشق، وميّال إلى الحفاظ على النظام والأمن، مع رغبته في حياة أكثر ديمقراطية، وهو دارس ومتعمق في القضايا الفكرية، ويعرف ما يعنيه الفكر الديني والتطرف، لذلك يحذّر منه في كل صفحة من صفحات الكتاب الأخير الذي تحدث فيه المؤلف عن سورية المعاصرة المأساوية، البلد الذي وضَع له بداياته الأولى كدبلوماسي بلغاري-مستعرب. الجدير ذكره بأنه تمت مشاركته في تأليف هذا الكتاب من ابنته ميروسلافا تسونفا، وهي دكتورة في القانون الدولي والعلاقات الدولية وكانت ولدت في سورية. إضافة إلى أن الكتاب واقعه ثلاث مئة وإحدى عشرة صفحة مقسما إلى اثنين وأربعين فصلا، وهو آخر مؤلفاته حيث توفي الكاتب بتاريخ13/7/2016.

من العنوان
يحمل الكتاب عنوانا فرعيا «سورية.. الحرب على أرض آدم وحواء»، وانطلاقاً منه يشرح المؤلف بأن دمشق هي العاصمة المأهولة الأقدم ولا تزال موجودة على وجه الكرة الأرضية منذ نشأتها وإلى الآن، وذكر المؤلف بأنها المدينة التي مرّ بها النبي إبراهيم، ويعد جد اليهود من ابنه إسحاق وزوجته سارة وللعرب من ابنه إسماعيل وزوجته الخادمة المصرية هاجر، ونعود إلى العنوان حيث تابع المؤلف قائلاً: السوريون مقتنعون بأن آدم وجد في دمشق وحدها الجنة الأرضية، وسوف يقودونك إلى أطراف المدينة حيث المغاور التي عاش فيها جدنا آدم وأمنا حواء بعدما كانا مطرودين من الخالق في هذه الجنة من أجل الخطايا التي ارتكباها (الخطيئة الأصلية) واللذين دونهما لم يكن ليوجد الجنس البشري. تقع هذه المغاور بجانب ينابيع نهر بردى، وحول نبع الفيجة حيث المكان الذي تنبع مياه الجبل المتدفقة بغزارة شديدة، مياه النهر كلّها صافية وباردة وهو يشكل بداية النهر ويهب الحياة الأبدية لهذه الواحة العملاقة الغوطة».

بدلاً من المقدمة
الكتاب يعرض للحرب على الأرض السورية من وجهة نظر محبّة لسورية، قادرة على النقد، وتقديم الرأي المناسب، وعند قراءته سنقف مطولا عند خصائص الكاتب الفكرية والأسلوبية، وسنجده عاشقا لسورية، كما ويمكننا الوقوف مطولا أمام آرائه، ويمكن أن نتعلم منه ما نجله عن سوريتنا، سواء وافقنا أو خالفناه. ففي الفصل الأول من الكتاب عبّر عن حبه لسورية قائلاً إن آلامي الشخصية كانت قوية جدا، إن حبي الكبير نحو هذا البلد له خصوصيته، لقد زرت دولا عدة، وسافرت إلى مناطق كثيرة وتعرفت إلى أصدقاء كثر، وأصبح لدي معارف كثيرة، ولكن سورية بقيت في روحي مثل حبي الأول. ولا يمكن أن ينساها المرء، وكانت أول دولة عربية زرتها، وبعدها كانت أول دولة أنهيت فيها سنوات عملي الدبلوماسية. وهناك شيء آخر، وهي الدولة الوحيدة التي زرتها وتعرفت عليها كلّها وجلت أرجاءها كلها من المالكية الكردية في الشمال إلى القنيطرة في الجنوب، ومن شواطئ البحر الأبيض المتوسط في الغرب إلى المدينة الضائعة في الشرق «البوكمال» ونهر الفرات العظيم، والشيء اللافت للنظر للحياة فيها، بأنه لا يوجد أي قيود على حركة الدبلوماسيين أو حدود على حركتهم على أراضيها، والذي لم أتمتع به في حركتي في القاهرة والجزائر».
وفي حديثه عن الشعوب العربية خص السوريين بالقول «ولكن إذا تحدثنا عن الناس أو الشعب وخصالهم، إنهم السوريون، هناك الناس صريحون، صادقون، مباشرون، يدخلون فوراً معك في الحوار والجدال، ولهم آراؤهم الخاصة ويحبّون أن يجادلوا من دون أن يكونوا وقحين، أو أغبياء».

الأديان في سورية- الفرق- التيارات
يروي المؤلف في فصله الخامس حقيقة لا يستطيع أي امرئ عزلها في منطقة الشرق الأوسط، وهي بأن هذه المنطقة هي مهد لثلاث ديانات عالمية، ويوضح بأن ما يطلق عليها الديانات الإبراهيمية، والتي تأسست جميعها من إبراهيم: اليهودية- المسيحية- الإسلام توجد كلّها في المنطقة وتداخلت في علاقات معقدة وتناقضات تاريخية، ويضيف «يؤدي الدين للعربي العادي الدور الكلي لحياته. وهو حاضر في حياته اليومية العادية وحتى الساعية وفي كل دقيقة. الدين حاضر في حياة الإنسان الجاهل العادي، وعند أنصاف المتعلمين من الفلاحين، وهو مؤثر كذلك في حياة الطبقة المتعلمة والمثقفة».

سورية قبل مجيئي إليها
في الفصل السابع من الكتاب يستعرض المؤلف المراحل التي مرّت على سورية من استعمارات وانقلابات واتفاقيات كلّها متجهة إلى تمزيق البلد واستغلاله والتنكيل بشعبه، ولكنه سلّط الضوء على نقطتين مهمتين: الأولى هي بأن سورية حافظت على موقفها الصلب نحو الاستقلال والتضامن مع القضية العربية الأساسية والتي ظهرت في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية وهي المشكلة الفلسطينية، هذا إضافة إلى أن الأحزاب السياسية من حيث المبدأ وطنية بامتياز، فعندما يكون هناك خطر خارجي، يوّحد هذا الشعور كل الطبقات وفئات المجتمع الأخرى وكل الأديان، وهم هنا غير قليلي العدد لكي يشكلوا وحدة وطنية صّوانية، متحدثا في مكان آخر عن النقطة المهمة الثانية بخصوص التضليل والكذب حول العالم العربي شارحاً تاريخ التضليل والكذب حول العالم العربي بأنه ظهر في بداية القرن العشرين عندما شعرت الإمبراطورية البريطانية بعدما استقلت وتحررت دول البلقان من الحضور التركي فيها. وحدوث الثورة التركية الناشئة والتي أضعفت الإمبراطورية العثمانية، أخذت بريطانيا بتقويض خريطة الشرق الأوسط، وكان ذلك ضمن مصالحها، وخصوصاً بعد الاكتشافات النفطية الجديدة، والحاجة الضرورية وراء الحفاظ على طرق التجارة العالمية في قبضة الإمبراطورية البريطانية. فكانت تحوك المؤامرات لكي تقوّض الحكم الوطني وتبعد القادة الوطنيين المناهضين للمزاج الموجه ضد الاستعمار».

لماذا سورية؟
في الفصل الثاني والعشرين تحدث الكاتب عن تتالي الأحداث في البلدان العربية زمن الاحتجاجات الشبابية العفوية والتي انطلقت في تونس والقاهرة وصنعاء وليبيا وسورية، وكيف جاء دور سورية لكي يتم ضربها بالدعاية الكاذبة. ويجب قطعها من الجذور وتركها جذع شجرة يابسة وخلع حكومتها هناك ولكن لماذا؟. يتابع المؤلف بأنه يمكن البحث عن الجواب في عدد من الفرضيات المسبقة، والتي تنبع من مصالح القوى السياسية والتي غالبا ما تكون متناقضة. نذكر مما شرحه «لازال هناك لسورية أجزاء من الأراضي المحتلة من إسرائيل وتكاد تكون الدولة العربية الوحيدة التي ما زالت أراضيها محتلة مرتفعات الجولان، وهذا يغذي الصفات الراديكالية للمعارضة بشأن أزمة الشرق الأوسط. ويقوّض عملياً أي عملية استقرار لإضعاف النظام تدريجيا للخلاص من هذه المطالب السورية العادلة، وهذا ما تريده وتسعى إليه وهو موجود في روح السياسة الصهيونية. سورية تكاد تكون الوحيدة بين الدول العربية الثابتة في قراراتها المستقلة. وبحثت هي بسبب الأحداث بنفسها للمساعدة من جانب روسيا، وروسيا مهتمة بدورها بسبب الميناء العسكري في المنطقة، والذي لا يزال بفضل سورية من خلال القاعدة العسكرية في بانياس، ولا يجوز أن ننسى أنه يقف إلى جانب دمشق دول مثل الصين-الهند-البرازيل- وأفريقية الجنوبية، وهذا يعني عدديا أكثر من ثلثي السكان في العالم».

الجيش السوري
في الفصل الخامس والعشرين تحدث المؤلف عن القوات المسلحة السورية، متضمنا شرحه أعدادها، وعن وضع الخدمة الإلزامية السورية، وبأن اعتماد الجيش السوري في تسليحه على الأسلحة الروسية هو شيء معروف، متابعاً: وهذا يعني بالضرورة أن أي سلاح يظهر في أيدي الديمقراطيين!!هو صناعة أميركية وتركية وليس من سلاح سورية الداخلي؟ وكيف سيكون رد فعل أي سلطة في العالم ومهما تكن هذه السلطة إذا ما تجرأ أي من المتظاهرين على استعمال سلاح حربي ضد الشرطة الرسمية والجيش».

المهجرون
من بين القضايا التي أثارها المؤلف في كتابه ما جمعه الفصل التاسع والثلاثون على الصعيد الإنساني والبشري، وهي قضية المهجرين السوريين، ففي بداية الفصل تساءل عن التسمية المناسب إطلاقها على هؤلاء الناس، هل هم لاجئون أم مهجرون قسرا، حيث يقول: «السوريون ليسوا لاجئين بالمعنى الحقيقي للكلمة، وبحسب هذا التعريف، هم غير ملاحقين بسبب انتمائهم العرقي أو الديني أو بالفوارق الإثنية. وإذا ما أخذنا بالحسبان التنوع الديني الكبير في سورية. وهم من مختلف الشيع والاتجاهات الدينية… ولم يكونوا أعضاء في مجموعات سياسية أو اجتماعية متخاصمة فيما بينها لدرجة العدائية، ولكن بفعل العمليات العسكرية التي دمرت بيوتهم وخرّبتها وأدت إلى حرمانهم من الغذاء وأبسط الشروط الأساسية للحياة والأمان. وهم خائفون من هذه العودة إلى الحياة البسيطة تحديدا، وليس من الملاحقة».

الفصل الأخير
في الفصل الثاني والأربعين، وهو الأخير، يحاول المؤلف بأن يعمل على فرضيات تفاؤلية لكنه يصل إلى نتيجة، بأنّ سورية لا ينتظرها مستقبل وردي، التوقعات حول هذه الحرب تتأرجح ما بين سنتين -عشر سنوات ويمكن لخمس عشرة سنة قادمة، وعلى الرغم من ذلك فإن التدخل الخارجي وكما تبرهن التجربة مرغوب به، ويتابع خاتما كتابه «على الرغم من ذلك، سوف أثق في الشيء الأحسن دمشق تكون هي دمشق-المدينة الخالدة، منذ بدء الإنسانية، وستبقى مركز لسورية الحية دائما، هنا كانت الجنة على الأرض، للإنسان أن يدخل الجنة مرة واحدة، مثلما قال النبي الكريم محمد (ص) في الأيام الأخيرة من حياته ورفض أن يدخل دمشق كي لا يودعها إلى الأبد».

نبدة عن المؤلفين
الأكاديمي كيرياك تسونيف:ولد عام 1938في قرية نييكوفو في محافظة دوبرتش. أنهى المعهد العالي للعلاقات الدولية في موسكو عام 1965 -أخصائي بالدول الشرقية التي تتحدث العربية، يتكلم ست لغات أجنبية، دبلوماسي من العاملين في ملاك وزارة الخارجية البلغارية، في سفاراتنا في سورية ومصر والجزائر، وهو برتبة سفير في الجزائر وموريتانيا والقنصل البلغاري الأول في سفارتنا بالإمارات العربية المتحدة. هو مؤلف لـ22 كتاباً- رواية-مجموعات شعرية. وترجمات إضافة إلى الترجمة الكاملة لألف ليلة وليلة ودراسات مختلفة وهو أكاديمي في الأكاديمية الدولية في المعارف البلغارية والإثنية والثقافة. رئيس جمعية الصداقة البلغارية الفلسطينية، دكتور في القانون الدولي والعلاقات الدولية. ميروسلافا تسونيفا-ابنة الأكاديمي كرياك تسونف، مدرسة بالعلاقات الدولية في الجامعة الجنوبية الغربية «نيوفيت- ديلكسي» في مدينة بلاغويف غراد، حاصلة على الماجستير باختصاصاتها التاريخ-الأدب الفرنسي-وهي مؤلفة للكثير من الدراسات العلمية والمقالات ذات الطابع السياسي والتاريخية -تتقن اللغة الفرنسية- الروسية ووضعت لها أسس في القاهرة والجزائر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن