قضايا وآراء

واشنطن تهدد بيونغ يانغ

| نعيم إبراهيم 

لطالما كانت السياسة الأميركية عدائية تجاه كوريا الديمقراطية منذ قيام الولايات المتحدة في العام 1945 بتقسيم دولة كوريا المرغمة آنذاك على الدخول في تحالف مع دول المحور، كونها كانت مستعمرة يابانية، إلى منطقتين، شمالية تدخل في مناطق نفوذ الاتحاد السوفييتي، ومنطقة جنوبية تحت سيطرة الولايات المتحدة الأميركية، يفصلهما خط العرض الثامن والثلاثون، ودعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأمس إلى رد حاسم على بيونغ يانغ، لا تخرج ولو قيد أنملة عن تلك السياسة.
ما قاله ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الكوري الجنوبي «مون جاي ان» في البيت الأبيض، فيه الكثير من التهديد والوعيد تارة، واللعب بالنار تارة أخرى، وبينهما تناقض لا مثيل له في اتباع سياسة دولية بات يكرهها العالم أجمع حتى حلفاء واشنطن.
لقد جدد ترامب التأكيد على أن عهد «الصبر الإستراتيجي» على برامج بيونغ يانغ النووية والصاروخية قد انتهى، وأضاف محذراً: إن «هدفنا السلام والأمن والاستقرار للمنطقة، لكن الولايات المتحدة ستدافع عن نفسها وعن حلفائنا دائما».
وتابع «معا نواجه خطر النظام الخطير والعنيف في كوريا الشمالية»، ويستدعي البرنامجان النووي والبالستي لهذا النظام رداً «حازماً»، لافتاً إلى أن «الديكتاتورية الكورية الشمالية لا تعلق أي أهمية على أمن شعبها وجيرانها ولا تكن أي احترام للحياة البشرية».
كيف تنسجم مثل هذه العبارات مع مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، تحديدا تلك التي تنادي بحقوق الإنسان والدفاع عن النفس أمام أي تهديدات خارجية وأي تدخل في الشؤون الداخلية للدول.
فمن المعلوم تاريخياً أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تناصب كوريا الديمقراطية العداء وتعمل على منعها من امتلاك أسباب القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وتسعى واشنطن لاستغلال الوضع الصعب في شبه الجزيرة الكورية بهدف زيادة التواجد العسكري في المنطقة، وضخ المزيد من الأسلحة، بما في ذلك الحديثة والمتقدمة، الأمر الذي لا يتكافأ مع التهديد الحقيقي القادم من الوضع في شبه الجزيرة الكورية، والمقصود بذلك خطط النشر في جمهورية كوريا الجنوبية لأنظمة الدرع الصاروخية الأميركية، في إطار مشروع الموقع الجديد لنظام الدرع الصاروخية الأميركي في شمال شرق آسيا.
كما كانت الإدارة الأميركية صنفت نظام كوريا الديمقراطية منذ عام 2002 ضمن محور الشر والدول الداعمة للإرهاب، وبدأت التوترات تتصاعد حقا في أعقاب تشرين الأول عندما اتهمت واشنطن كوريا الديمقراطية بتطوير برنامج سري للأسلحة النووية، ولا تزال الكوريتان في حالة حرب تقنيا، حيث لم توقع اتفاقية سلام منذ الصراع بين الكوريتين في الفترة من 1950 إلى 1953.
إن السير على هذا الخط يخلق تهديدا حقيقيا لأمن البلدان الأخرى، نتيجة الإخلال بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة بسبب نشر أنظمة الدرع الصاروخية في هذه المنطقة، شأنه شأن أوروبا، ومع ذلك تعلن الولايات المتحدة أنها سوف تكون قادرة على بدء مفاوضات مع كوريا الديمقراطية فقط بعد محاولة بيونغ يانغ نزع السلاح النووي، في الوقت الذي تمتلك فيه (الولايات المتحدة الأميركية) أعتى أنواع السلاح التدميري في العالم بما فيه النووي بكميات وأعداد كبيرة جداً، وتتغاضى عن البرنامج النووي الصهيوني، لا بل تدعمه بكل السبل.
بالمقابل تعمل الولايات المتحدة بشكل وثيق مع كوريا الجنوبية واليابان وشركاء آخرين حول العالم، على ما أسماها ترامب، مجموعة إجراءات دبلوماسية واقتصادية وأمنية ضد كوريا الديمقراطية، الأمر الذي يزيد التوتر ويهدد باندلاع حرب طاحنة جديدة في شبه الجزيرة الكورية، لا تبقي ولا تذر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن