ثقافة وفن

رجال من ذاك الزمن … هل كان فارس الخوري رئيساً لسورية؟

| شمس الدين العجلاني

في ذاك الزمن كانت الأحداث تتسارع، ومقارعة المستعمر الفرنسي على أشدها، والوطن في حالة غليان من كبيره إلى صغيره، وفي ظل تلك الأحداث مرت على سورية شخصيات سياسية إعلامية عسكرية تطال قامتهم السماء، وهذه الشخصيات مرت بتجارب وأحداث أقل ما يقال عنها إنها طريفة ولكنها في الوقت نفسه تحمل دلالات ومعاني ذات مغزى ولنقرأ معاً:

نصوح بابيل
يقول الصحفي الكبير ونقيب الصحفيين السوريين في مذكراته: «صادفت الكثير من العقبات والمصاعب، واصطدم طموحي الصحفي بالعديد من المثبطات بسبب أنانية أصحاب الصحف في حينه، فهؤلاء ما كانوا يتقبلون الأفكار الشابة المتطورة، ويحاولون قصارى جهدهم أن تبقى الصحافة ملكاً لهم وحصراً بهم، وأن يحولوا دون تشجيع المواهب والكفاءات الصحفية الطامحة. ولعل من أطرف ما وقع لي أنني قمت بزيارة أحد أصحاب الصحف اليومية، وهو ممن تربطهم بخالي صداقة قوية، ويعرفني كما يعرف جميع أشقائي، وكان كلما خاطب أحدنا ناداه: يا خالي. قمت بزيارته وقدمت إليه مقالاً موضوعه: «المنسوجات الوطنية» بمناسبة الدعوة الحادة التي كانت قائمة حينئذ إلى مقاطعة المنسوجات الأجنبية، والاستعاضة عنها بالمنسوجات الوطنية.
بعد أن تلا المقال، قال لي: «إنك يا عزيزي لا تزال في سن مبكرة لا تساعدك على كتابة مقال أو مقالات في هذه الموضوعات».
ولما اعتذر عن عدم نشره، ابتسمت وقلت له: «ما علاقة سني المبكرة بالموضوع؟ إما أن يكون المقال صالحاً للنشر، وإما غير صالح». فأحرج ولم يجب.
بعد مضي أسبوع أرسلت إليه مع أحدهم مقالاً من دون توقيع، على أنه مرسل من شخصية وطنية سياسية معروفة فتسلمه صاحب الجريدة بالذات، وطلب من حامل المقال أن يقول للشخصية المذكورة أنه تسلم المقال مع التحية.
كانت الصحف تصدر في المساء، وكانت المفاجأة بالنسبة إلي أنه في اليوم نفسه صدرت الجريدة تحمل المقال في مكان الصدارة من صفحتها الأولى، فانتظرت أسبوعاً أيضاً، وأرسلت إليه مقالاً بالطريقة نفسها، نشره على الصفحة الأولى. وهكذا استمرت العملية ثلاث مرات. ومن حسن الحظ أنه لم يلتقِ صاحب الجريدة تلك الشخصية السياسية طوال المدة التي ذكرناها بطريق المصادفة ولا بغيرها.
هنا جاء دور العتاب: فقد ذهبت إلى صاحبنا زائراً، وأعربت له عن إعجابي بالمقالات المذكورة، وسألته عمن يكون صاحبها الذي يكتب بلا توقيع. قال: «إنه شخص كبير، لا يريد أن يعرف اسمه».
هنا انفرجت شفتاي عن ابتسامة واسعة وقلت له: «ما رأيك في أن يكون هذا الشخص الكبير هو هذا الإنسان الحديث السن الماثل أمامك؟».
بدت على وجهه علامات الدهشة وراح يردد بعصبية ظاهرة: «غير معقول.. غير معقول».
قلت: «إنه المعقول بعينه، وهو الواقع بذاته».
وانصرفت عنه من دون أن أودعه، وشاءت الأقدار بعد مضي خمس سنوات أن أصبح رئيساً لتحرير الجريدة نفسها».

خالد العظم وزوجته ليلى
في كتابه وطن وعسكر يقول مطيع السمان: «خالد العظم المنسجم في لبراليته واحترامه للرأي الآخر ولو كان فيه شرشحة شخصية له كما فعلت مجلة المضحك المبكي» وحكاية خالد العظم السياسي والاقتصادي الشهير تتلخص في أن مجلة المضحك المبكي نشرت صورة كاريكاتيرية لخالد العظم وزوجته ليلى خانم وهما في الفراش ويغطيهما غطاء قصير وضيق، الأمر الذي أدى إلى إظهار مؤخرة ليلى خانم لأنها كانت سمينة وقصيرة فاستاء خالد العظم واستاءت الخانم أيضاً، فاستدعي مدير الأمن الداخلي العقيد مطيع السمان للتحقيق مع صاحب المضحك المبكي حبيب كحالة وقال له: «لا تعد إلى مثلها» فرد الكحالة بغضب: «إما أن أستمر على هذا المنوال وإما أن أغلق المجلة» واستمر ولم يغلق المجلة.

أحمد العسة ورئيس مجلس النواب
الصحفي القدير أحمد العسة رئيس تحرير جريدة الرأي العام قد كتب مقالاً تناول فيه رئيس مجلس النواب السوري آنذاك السيد ناظم القدسي على خلفية ما ظن أنه استغلال نفوذ قام به رئيس المجلس عندما أمر بفتح شارع يمر قرب أرض يملكها القدسي بهدف رفع سعرها! هذا المقال أثار حفيظة رئيس مجلس النواب وأزعجه لدرجة أن النواب فوجئوا بجلوس رئيس البرلمان الدكتور ناظم القدسي على مقاعد النواب وليس على سدة الرئاسة، كانت أعين النواب تلتمس توضيحاً لما يجري؟ فعمد رئيس المجلس إلى فتح محفظته وأخرج منها جريدة «الرأي العام» التي نشرت المقال وقال لهم: «لقد اتهمني الصحفي أحمد العسة بأنني أمرت بفتح شارع يمر قرب أرض لي بهدف رفع سعرها، لذلك فإنني اعتبر نفسي بمنزلة المتهم» ثم أمر بتشكيل لجنة برلمانية ترافقها لجنة فنية هدفها معاينة الأرض موضوع المقال للتأكد من صحة الاتهام فإن ثبتت التهمة عليه فهو مستعد لرفع الحصانة عنه وتقديمه للمحاكمة!
وبالفعل تشكلت اللجنة وعاينت موقع الأرض وخرجت بتقرير يثبت بطلان التهمة تماماً، وبقيت الأنظار شاخصة لما سيفعله رئيس المجلس بالصحفي كاتب المقال وبالصحيفة نفسها.
هل سيضغط لإغلاق الصحيفة عقاباً لها على تجرئها على أصحاب المقامات العليا؟
هل سيمنع توزيع الصحيفة ومن ثمّ سينعكس ذلك على سيولتها وعلى العاملين فيها ثم سيجبرها رويداً رويداً على الإغلاق؟ أو إنه سيتشفى من الصحفي أحمد عسة و«يجرجره» و«يشنشطه» عقاباً له على التطاول عليه وبالتالي يجعله عبرة لمن يعتبر؟
لقد وقف ناظم القدسي أمام البرلمان ليقول «إنني أسقط حقي في إقامة دعوى على الصحفي الأستاذ (أحمد العسة) رئيس تحرير جريدة (الرأي العام)، احتراماً مني لحرية الصحافة وتقديراً لاهتمامه بالمصلحة العامة».

فارس الخوري رئيساً للجمهورية
من نوادر الحكايا التي تغيب عنا أنه في يوم ما كان فارس الخوري رئيساً لسورية!
فقد كان الدستور السوري ينص بأن مجلس الوزراء يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية إذا شغر منصب الرئاسة الأولى في البلاد لأي سبب من الأسباب ولغاية عودة هذا الرئيس أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وقد حصل حسب ما يذكر مطيع السمان في مذكراته، أنه في 7 تموز من عام 1939م تقدم رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي باستقالته إلى المجلس النيابي بشخص فارس الخوري، وذهب إلى حمص معتكفاً في داره محتجاً على تدخل المفوض السامي في أمور البلاد، ما فرض أن يضطلع فارس الخوري وكالة برئاسة الجمهورية عملاً بمنطوق المادة 84 من الدستور السوري آنذاك، فكان فارس الخوري بضعة أيام رئيساً لسورية.

نجيب الريس و«الكديش»
ذكرت مجلة «المضحك المبكي»، في عددها رقم 934، ليوم 30 نيسان سنة1955: «عندما كانت حكومة المديرين، قد ألقت القبض على المرحوم الأستاذ نجيب الريس.
وفي أثناء هذا، اختلف الدكتور منير شيخ الأرض مع جابي المالية في قريته، فكانت نتيجة هذا الاختلاف أن حجز الجابي على «كديش» الدكتور. وكان من الطبيعي أن يلجأ الدكتور إلى صهره الأستاذ معروف الأرناؤوط ليخلص هذا «الكديش» من أيدي المالية. ولما كان الأستاذ معروف يعتقد أن خليل رفعت بك هو صديقه الوحيد بين المديرين وأقربهم إليه، فقد قصده وطلب وساطته بفك الحجز عن «الكديش» المحجوز، ولكن ظهر أن هذه الوساطة لم تنجح، وهكذا بقي «الكديش» محجوزاً.
وبينما كان الدكتور يشكو لصهره عدم نجاح وساطة خليل رفعت، وكيف أنه لم يفعل شيئاً في الموضوع الذي رجاه بشأنه، جاء الأستاذ سامي الشمعة واقترح على الأستاذ معروف تشكيل وفد لمقابلة خليل رفعت بك بصفته مديراً للعدلية وليرجوه الإفراج عن الأستاذ نجيب المعتقل حديثاً، ولاسيما أن قضيته قد أحيلت إلى القضاء الوطني. وهنا ضحك الأستاذ معروف الذي كان مازال متأثراً من قضية كديش ابن عمه، وقال له: روح يا ابني وحط راسك بعقلك.. خليل رفعت بك ما قدر يفكلي البارحة كديش حتى يفرج عن الأستاذ نجيب!».

نواب الشعب
كثيرة هي طرائف أعضاء مجلس النواب السوري وقد نشرت مجلة النقاد في عام 1950 بعضاً من أبيات الشعر تداولها النواب سراً بينهم يهجون بعضهم بعضاً: أرسل نائبا جبلة السيد إبراهيم الكنج والسيد علي أسعد إسماعيل إلى الأستاذ جمال علي أديب نائب جبلة السابق «عام 1943م» البيتين التاليين:
لك أنف يا ابن حرب
أنفت منه الأنوف
أنت في القدس تصلي
وهو في البيت يطوف
أما رئيف الملقي نائب حماة فيقول:
أتتني النيابة منقادة
إلي تجر أذيالها
فلم تك تصلح إلا لنا
ولم نك نصلح إلا لها
والنائب البعثي الديري جلال السيد يستشهد:
وإني لمن قوم كأن نفوسهم
بها أنف أن تسكن اللحم والعظما
ونائب صافيتا السياسي عبد اللطيف اليونس يقول:
تعجبين من خشونتي
رقتي هي العجب
على حين غاب رئيس المجلس رشدي الكيخيا عن جلسة مجلس النواب فاحتل مقعد الرئاسة زكي الخطيب، وعندما انتهت الجلسة وغادر السيد الخطيب المقعد التفت إليه وقال:
ودعته وبودي لو يودعني
طيب الحياة وإني لا أودعه
وشاهد أحد ظرفاء المجلس النائب السيد عبد اللطيف اليونس واضعاً (عوينات) على عينيه فأنشده قائلاً:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن