قضايا وآراء

الاصطفاف التركي إلى جانب قطر.. لماذا؟

| صياح عزام 

تساؤلات مهمة تطرح نفسها، لماذا هذا التحول التركي إلى جانب قطر؟ ولماذا هذا الاصطفاف إلى هذا الحد اللافت للنظر بحدة في الخلاف مع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر ودول أخرى؟ وما الأسباب الجوهرية لذلك؟
لقد تدرج الموقف التركي من الأزمة الخليجية مع قطر، فبداية، اكتفى الرئيس رجب طيب أردوغان في مطلع الأزمة بالتشاور هاتفياً مع المسؤولين في السعودية، إلا أنه ما لبث أن اعتبر الإجراءات الخليجية المصرية ضد قطر «خاطئة وغير سليمة» داعياً إلى التراجع عنها، وصولاً إلى دعوته عاهل السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى «التعامل بمحبة وسلمية» بدلاً من الكراهية والعداء كونه خادم الحرمين الشريفين مع الآخرين، بحسب ما ورد على لسانه حرفياً في أحد الإفطارات في إسطنبول، وتوج أردوغان خطابه على اعتبار أن الحصار على قطر «ليس إنسانياً بل مخالف للإسلام»، وما إلى ذلك من مفردات استفزازية.
في وقت لاحق، أرسل وزير خارجيته تشاووش أوغلو إلى الدوحة من دون بقية الدول الخليجية، وبالتوازي مع ذلك، سارعت تركيا إلى إرسال طائرات محملة بالمواد الغذائية وغيرها لتزويد قطر بما تحتاج إليه بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
لكن الشيء الأبرز في الموقف التركي من الخلاف الخليجي كان البعد العسكري فيه، إذ ما إن اندلعت الأزمة حتى سارع البرلمان التركي بإيعاز من أردوغان إلى إقرار مشروع قانون إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر بأغلبية أصوات حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يرأسه أردوغان بعد التعديلات الدستورية.
صحيح أن القاعدة المذكورة كان قد تم الاتفاق على إنشائها قبل عامين، لكن قوننتها في البرلمان مباشرة بعد حصول الأزمة الخليجية، كانت رسالة قوية وكبيرة بدعم قطر بشكل عملي وعسكري.
وبعد أيام، رفع أردوغان عديد العسكر الأتراك الذين سيتمركزون في القاعدة التركية من 500 في البداية إلى ثلاثة آلاف، تلا ذلك إرسال وفد عسكري عالي المستوى إلى قطر لدراسة التجهيزات والمتطلبات الميدانية للقاعدة.
بالتوازي مع ما سبق، جاء الموقف الإعلامي الذي كان أكثر بروزاً في تأييد أردوغان لقطر، حيث انطلقت حملة من المقالات والأخبار والتحقيقات التي «تبرئ» قطر من تهمة دعم الإرهاب.
إن المفاجئ في كل هذا، أن تركيا كانت قد حسنت علاقاتها مع السعودية، وأن أردوغان زار السعودية ووقع معها اتفاقية لإنشاء مجلس تعاون إستراتيجي بين البلدين، وبدا كما لو أن العلاقات تجاوزت غمامة صيف الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر.
وهكذا يمكن القول إن ما يدفع تركيا إلى الوقوف والاصطفاف بحدة إلى جانب قطر يعود لعدة أسباب منها:
– إن قطر هي من أكثر الدول الخليجية ذات العلاقة المتينة مع تركيا، وفي حال اندحارها في المعركة الحالية، ستفقد تركيا رأس حربتها في الخليج العربي.
– إن قطر هي القاعدة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، وفي حال خروج هذه الجماعة من قطر، فإن تركيا ستتحمل وحدها عبء استضافتهم ورعايتهم ودعمهم، الأمر الذي يضعها في موقع حرج وصعب وغير قادرة على تحمله وحدها.
– تشكل قطر القاعدة العسكرية الوحيدة لتركيا في الخليج، ويعتبر إنشاء القاعدة العسكرية فيها تهديداً تركياً كبيراً للمنطقة، إذ يمكن لتركيا من خلالها أن تمارس ضغوطاً على دول الخليج، لأن الضغط على إيران من خلالها غير ممكن، لأن لتركيا حدوداً برية مشتركة مع إيران.
– إن هذه القاعدة العسكرية التركية في قطر، تأتي في سياق عقيدة عسكرية تركية جديدة للتغلغل في الشرق الأوسط، عبر قواعد أنشأتها تركيا صيف عام 2016 في الصومال وقطر وبعشيقة من دون إذن من العراق، فضلاً عن تدخلاتها في الشمال السوري، وبالتالي فإن خسارة تركيا لقطر ستفقدها أحد أذرعتها العسكرية الجديدة المتقدمة في قلب المنطقة العربية الخليجية.
– إن لأردوغان وأسرته علاقات مالية وتجارية كبيرة مع آل ثاني في قطر، وقد نشرت الصحف التركية المعارضة تفاصيل واسعة عن هذه العلاقات، موضحة أن خسارة قطر هي ضربة موجعة لهذه العلاقات المالية لأردوغان وعائلته.
لهذه الأسباب وغيرها، وقفت تركيا إلى جانب قطر متحدية الإجراءات ضدها، وهو أمر يحدث للمرة الأولى منذ خروج العثمانيين من الدول العربية، وكأن أردوغان يسعى لإحياء العثمانية الجديدة على أساس المرتكز الفكري الإخواني، وهذا تهديد واضح للأمن القومي العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن