سورية

واشنطن في مواجهة دول «أستانا»

| أنس وهيب الكردي

زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى إسطنبول للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيتقرر خلالها مصير تل رفعت وعفرين، وتكشف أن السياسة الأميركية في المنطقة وصلت حدود الإفلاس، في مواجهة دول مسار أستانا.
وحتى أوائل العام الماضي، أحكمت واشنطن، قبضتها على الوضع في سورية، سواء بشكل مباشر أو من خلال حلفائها المنتشرين في الجنوب، الشرق والشمال، والمدعومين من دول الجوار. وأدارت وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. إيه»، ووزارة الدفاع «البنتاغون» برنامجين منفصلين لدعم المجموعات المسلحة في سورية، الأول وظيفته مخصص لمواجهة الحكومة، والثاني لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي. وتحت أنظار ضباط أميركيين، تحكمت غرفتا الدعم العسكريتان في تركيا «الموم»، والأردن «الموك»، بحركة المسلحين على الأرض، وضبطتا عملياتهما.
حتى إن الإيرانيين بدوا محشورين، سواء نتيجة تراجع قوة الحليف السوري أو بسبب سقوط مدينة الموصل العراقية عام 2014. واضطرت طهران إلى التفاوض على برنامجها النووي عام 2013، والموافقة على عودة القوات الأميركية إلى العراق لمقاتلة تنظيم داعش، وغض البصر عن أن تكون سورية مسرحاً لعمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.
هكذا، لم يكد الأميركيون يؤكدون هيمنتهم في الشرق الأوسط، حتى بدأت طلائع القوات الروسية بالوصول إلى شرق البحر الأبيض المتوسط في أواخر أيلول 2015 والتمركز في قاعدة حميميم الجوية وإطلاق عملياتهم في غرب سورية. بذلك، أدخل الروس تعديلاً على المشهد الشرق أوسطي لما يزل يتفاعل.
عقدت روسيا أواصر تفاهم مع إيران بشأن سورية، أثمر عن تغيير المعادلة الميدانية هناك إلى غير مصلحة الولايات المتحدة، وأدى إلى تعديل تركيا لمحورها فيما يتعلق بالأزمة السورية، وانحيازها إلى روسيا، حيث بلورت الدولتان تفاهمات مشتركة سمحت للأولى بإطلاق عملية «درع الفرات»، وللثانية بحسم معركة حلب.
مع شريكتيها طهران وأنقرة، أطلقت موسكو من كازاخستان، مساراً عسكرياً ودبلوماسياً جديداً لحل الأزمة السورية منافساً لمسار جنيف ذي المحور الغربي.
سمح عداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشديد لإيران، وتبنيه لخطة سلفه تحرير الرقة من دون دعم تركي أو روسي، بتماسك ذلك الاصطفاف الدولي- الإقليمي الجديد. عدل ترامب نهج سلفه الداهية باراك أوباما في المنطقة، القائم على إحداث توازن إقليمي، بإستراتيجية ترمي إلى إقامة تحالف خليجي مصري إسرائيلي لمواجهة ثلاثية كل من إيران، داعش، وتركيا. تزاوج هذه الإستراتيجية مع ديناميكيات السياسة الداخلية في واشنطن، حولها إلى عداء مفتوح ضد روسيا، إيران، تركيا.
وفي لحظة الحقيقة عندما تعاظمت الضغوط على الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وجد الأميركيون أنفسهم وحيدين وربما معهم الإسرائيليون في مواجهة هذا الثلاثي المتماسك على الأقل حالياً، في حين انصرف الخليجيون والمصريون إلى معركتهم الخاصة بشأن قطر.
تبدأ الضغوط على الإستراتيجية الأميركية في سورية، من تلي أبيض في الرقة ورفعت بريف حلب الشمالي الغربي (الأتراك) إلى الطبقة بريف الرقة الغربي (الروس) والتنف أقصى جنوب شرق دير الزور (الإيرانيون)، ودرعا والقنيطرة (الروس والإيرانيون). وهكذا، باتت واشنطن أمام لحظة الحقيقة، فيما يتعلق بسياستها الإقليمية. وتبدو إدارة ترامب في حاجة إلى الانفتاح على إحدى القوى الثلاث في محور أستانا، بما يتيح لها استعادة توازن سياستها الشرق أوسطية، والحلم لاحقاً بتفكيك هذا المحور الذي يهدد بعزلها عن شؤون المنطقة.
وسيختبر ترامب هذه الإمكانية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة دول مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية خلال الأيام المقبلة.
في هذه الأثناء، أوفد الزعيم الروسي وزير دفاعه إلى إسطنبول للقاء الرئيس التركي، عشية الاجتماع الخامس في أستانا، والذي يستهدف بلورة خرائط مناطق تخفيف التصعيد في سورية، وطرق مراقبتها. وعلى الأرجح أن يقايض أردوغان الدعم التركي للمشاريع الروسية في استانا بضوء أخضر روسي لعملية أنقرة العسكرية في تل رفعت.
وأفادت صحيفة «صباح» التركية بأن نحو 20 ألف جندي من مليشيا «الجيش الحر» سيشاركون في العملية التركية في منطقة عفرين التي تسيطر عليها مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية. ووفقاً للصحيفة التركية ستستغرق العملية مدة 70 يوماً، ومن المخطط له، قبل كل شيء، الاستيلاء على مدينة تل رفعت، وقاعدة منغ الجوية العسكرية.
والأرجح، أن يدفع الأتراك الثمن للروس في تل رفعت وعفرين، من حساب مساحة منطقة تخفيف التوتر حول إدلب، والتي سبق أن نص اتفاق أستانا الموقع في أيار الماضي على أن تضم كل محافظة إدلب إلى جانب مناطق في اللاذقية وحماة وحلب. وعلى الأغلب، أن يقبل الأتراك في لقاء «أستانا 5» المقبل أن تقتصر هذه المنطقة فقط على الريف الإدلبي، وأن يتنازلوا فيما يتعلق بوسائل الرقابة ودخول الجيش العربي السوري وقوات الأمن والشرطة إليها، وذلك مقابل موافقة الروس على إنشاء منطقة تخفيف تصعيد جديدة في تل رفعت أو عفرين.
وبالفعل، ذكرت «صباح» التركية أنه من المفترض أن تنتقل منطقة عفرين، في وقت لاحق، إلى مناطق خفض التصعيد الأخرى، حيث سيضمن عسكريون روس، وأتراك الأمن فيها.
وإذا ما تحقق الاتفاق الروسي التركي حول تل رفعت، فستكون واشنطن أمام واقعة خسارة معركة جديدة أمام دول أستانا، بعد التنف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن