قضايا وآراء

بين الشعب والقيادة

| رفعت البدوي 

بلغت عقدة الأنا، عند بعض القادة العرب مترافقة مع قلة الخبرة والدراية وعدم امتلاك البصيرة، حداً خطيراً وأضحت تلك الصفات السمة المؤهلة لتبوّء مركز رأس السلطة في معظم الدول العربية وخاصة تلك التي تمتلك ثروات هائلة وتراهن على شراء المواقف والذمم، لتقوم محطات وقنوات فضائية بنشر وبث الأخبار والتقارير المزيفة الهادفة إلى غسل العقول ورهن النفوس، يستجدون الحماية من دول خارجية بواسطة رهن مقدرات بلادهم لمصلحة أعداء الأمة من أجل الحفاظ على مناصب وملوك وأمراء ورؤساء لا يمتلكون القرار في بلدانهم إضافة إلى تفريطهم بمقدرات وحقوق العرب، الأمر الذي أدى إلى وضع دول المنطقة العربية في دائرة الفراغ الإستراتيجي على صعيد المؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة على مستوى القرار والرؤى وباتت سيادة تلك الدول مرتهنة وقرارها عائد لأميركا التي تؤمن لها الحماية مادام تأمين تدفق أموال الدول المحمية لمصلحة الدول الحامية التي بدورها لا تهتم إلا بتنفيذ مآربها ومصالحها على حساب مصلحة وتنمية وتقدم دول المنطقة وشعوبها.
ما سبق أسهم في خلق فجوة باعدت بين قيادة وشعوب دولنا العربية، ليتعرض الأمن القومي إلى مخاطر جمة من خلال تسعير أوار الفتنة المذهبية والقبلية والاثنية والعرقية، لتجني شعوب المنطقة العربية كل سلبياتها المؤثرة على أمننا ووحدة أرضنا وأوطاننا أما الفائدة المطلقة اقتصادياً وأمنيا وتكنولوجياً وعلمياً فأعداء الأمة العربية وحدهم كفلاء بقطف ثمارها.
لقد بلغ الهوان العربي حدا لا يوصف ولا يمكن تصوره، خصوصاً بعد أن اختار البعض من ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية، طريق الانفصال عن إرادة شعوبهم، فانحدر الأمر إلى مستوى تحالف البعض مع عدو الأمة العربية إسرائيل، والإقدام على تنفيذ مطالب الأجندة الأميركية الصهيونية الهادفة إلى ضرب حركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، والعمل على تطبيع العلاقات مع العدو وطمس القضية الفلسطينية واعتبار تلك المطالب الإسرائيلية شرطاً أساسياً لاستمرار تلك الأنظمة العربية وإبقائها على قيد الحياة.
لقد باتت شعوب تلك البلدان العربية المذعنة للإرادة الأميركية الصهيونية، مخدرة لا تنظر للأفق السياسي، غير عابئة بتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وغير مهتمة بتحرير فلسطين ولا للانتماء العربي، وأصبحت تستهون مبدأ التسويات المذلة مع العدو الإسرائيلي، وخصوصاً بعدما لجأ زعماء تلك الدول إلى ممارسة سياسة افتعال الفتنة والتخويف بين المذاهب، إضافة إلى الاعتقالات وإخفاء الأصوات المعارضة لسياسات الذل والهوان وممارسة لعبة التجويع، وجعلها شعوباً لاهثة خلف تأمين سبل العيش الكريم غير آبهة إلا بتأمين رغيف خبز أو علبة حليب لطفل يتضور جوعاً، وبذلك صارت تلك الشعوب العربية مقموعة سياسيا غير مسموح لها بالاعتراض على قرارات جائرة أي تكن، لتجد نفسها مضطرة للقول سمعاً وطاعة ولو ضاعت فلسطين أو استبيحت أوطاننا، خوفا من التشرد أو من السجن والاعتقال، لتغدو الإرادة الشعبية تائهة بين القضية والمشكلة.
المؤكد أنه بوجود مشكلة داخلية فإن القضية الخارجية تتنحى عن رأس الاهتمامات، فكيف يمكن أن تطلب من شعب مؤازرة قضية وطن، بينما الطفل يئن من الجوع، فيجد الإنسان العربي نفسه مضطراً للبحث عن قوت يشبع فيه طفله، قبل المضي بمناصرة القضية وبذلك تصبح الشعوب العربية مرتهنة لرغبات وأوامر الزعماء المتآمرة بدورها على شعوبها وأوطانها.
لقد استبيحت أوطاننا العربية من باب التجويع والترهيب، فها هي السعودية تضع مئات المليارات من الدولارات للاستثمار لمصلحة مشاريع تطوير البنى التحتية في أميركا، على حين أن السعودية نفسها تعتبر من بين البلدان التي تعاني من سوء حال البنى التحتية فيها، وها هو الشعب الفلسطيني يعاني من ممارسات العدو الإسرائيلي بكل أشكال الذل والهوان والتمييز العنصري، فالأولوية عند الفلسطيني صارت البحث عن سبل تأمين قوته اليومي بدلاً من الاهتمام بالقضية الفلسطينية المركزية، وها هي القيادة المصرية تبيع ترابها وجزرها المشبعة بدماء شهداء الجيش المصري وتستبيح السيادة المصرية لمصلحة السعودية، مقابل حفنة من الدولارات، وكل ذلك يجري تنفيذة نزولاً عند الرغبة الأميركية الإسرائيلية وأعداء الأمة العربية الهادفة إلى طمس القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية معاً.
حدثنا التاريخ القديم والجديد عن حقيقة ساطعة أن الهوة بين الشعوب والقادة سببها الأساسي انفصال القادة عن قضايا واحتياجات وإرادة الشعب، فالقادة التي راهنت على مقدرات مادية بترولية لابتياع الحماية وتأمين السطوة من بلاد لا خير فيها، بمعزل عن إرادة ومصالح وقضايا الشعب، فإن أولائك القادة سيواجهون انتفاضة شعوبهم الرافضة لممارساتهم التآمرية الظالمة مهما طال الزمن.
أما القادة الذين راهنوا على قدرات الشعب واستثمرت في احترام إرادة الشعب وتأمين احتياجاته من تعليم وصحة وصون اللحمة والانتماء والعدالة الاجتماعية والتصقوا بشعبهم، رغم كل أنواع التآمر والظروف القاهرة، فلا بد من أن التاريخ سيكتب إنجازات تلك القادة بحروف مذهبة لتكون ماثلة أمام الأجيال القادمة، ولا بد من أن هذا الشعب سيولي قيادته كامل الثقة بالتفافه حولها ليحمي وطنه وتنتفي كل المشاكل مهما تعاظمت، ليسطر الشعب ملاحم الصمود الأسطوري في سبيل بقاء قضية الحفاظ على الوطن ووحدته أولوية لا يتقدمها أي مشكلة، تماماً كما فعل الشعب السوري وحمى سورية وقيادتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن