ثقافة وفن

معهد صلحي الوادي اسم معروف في العالم كلّه … فادي عطية: الثقافة بمختلف أشكالها إذا لم يتورّط المجتمع بها فلن تُنتج بل تبقى ومضة

| سوسن صيداوي

الموسيقا هي أكثر من أي فنّ آخر يجب أن تكون عالية وإنسانية لأنها بحد ذاتها فوق فوارق اللغة والمسافة، خلافاً للشعر والأدب والمسرح، فالفن لا وجود له إذا بقي ضمن إطار محلي إقليمي ومنغلق على نفسه. هذا كان رأي الموسيقي الراحل صلحي الوادي مؤسس المعهد العربي للموسيقا الذي حمل اسمه بعد وفاته. معهد صلحي الوادي الذي اهتم منذ تأسيسه بالنهوض بالموسيقا العربية وتطويرها عن طريق التعلّم بصورة علمية وجادة، وتتراوح مدة الدراسة فيه بين 5-11 سنة حسب موهبة وإمكانات الطالب، حيث يقبل الطلاب في سن السابعة. وفي عام 1976 ظهرت فرقة «الحجرة» التي قاربت حدود الفرقة السمفونية، وفي عام 2008 تأسست أوركسترا الموسيقا العربية لمعهد صلحي الوادي على يد الأستاذ عدنان فتح اللـه مؤلفة من 50 عازفاً جميعهم من طلاب المعهد وتتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة. وحول ما يضم معهد صلحي الوادي من أوركسترات تجمع طلابه وما تعانيه من مشكلات، وما يخطط لهم المعهد من مشاريع مستقبلية، تحدّث كل من مدير المعهد فادي عطية والعازف دلامة شهاب في لقاء مع «الوطن».

الأوركسترات في «صلحي الوادي»
تحدث فادي عطية مدير معهد صلحي الوادي عن الأوركسترات التي يضمها المعهد وعن تشكيلها موضحاً العديد من النقاط قائلاً: «لدينا في معهد صلحي الوادي خمس أروكسترات للموسيقا: أقدمها هي الأوركسترا التي أسسها الموسيقي صلحي الوادي وهي أوركسترا الكلاسيك، بعدها تم تأسيس عدة أوركسترات وهي أروكسترا الموسيقا العربية، وأوركسترا النفخيات، وأوركسترا الإيقاع، وفي الوقت الحالي ستستعيد أوركسترا الغيتارات نشاطها، هذا إضافة إلى الكورال، أما بالنسبة لعدد الأطفال المشاركين، فأكبر الأوركسترات هي الأوركسترا الكلاسيكية والعربية، فالأولى تضم نحو سبعين عازفاً أما الثانية فيتراوح عدد الأطفال المشاركين فيها بين الخمسين والسبعين، وبالنسبة إلى الأوركسترا الإيقاعية فهي صغيرة، أما الأوركسترا النفخية فيصل عدد الأطفال فيها إلى الخمسين، على حين الوترية أو الغيتارات يصل أعضاؤها إلى عشرين عازفا تقريبا. وبالطبع هذه الأرقام ليست ثابتة لأن عدد الأطفال المشاركين يختلف في كل أوركسترا بحسب التشكيلة المطلوبة من أجل النشاط الذي سيقام، فهناك نشاطات تحتاج لأعداد صغيرة، على حين هناك نشاطات تحتاج لأعداد أكبر، ولابد من الإشارة إلى أن هناك نشاطات تحتاج إلى آلات وترية على حين أخرى تحتاج إلى آلات نفخيّة أو آلات إيقاعية وهكذا».

للأوكسترات أهمية
هناك من يغفل بأن الطفل هو كائن واع لكل ما يدور حوله، وللأسف يتم التعامل معه بشكل يثير الإحباط، باعتباره، ومن وجهة نظرهم، كائناً صغيراً غير مدرك، ولكن هذا مخالف للواقع ولما يراه مدير المعهد معبرا عنه من خلال حديثه عن تشكيل الأوركسترات وما تقدمه الثقافة الموسيقية للطفولة في المجتمع قائلاً: «التدريب ضمن الأوركسترا له فوائده للعازفين الصغار، لأنه يمكّنهم من التدرّب والتّعود على العمل الجماعي، حيث إنهم لا يسمعون عزفهم فقط، بل عليهم أن يستمعوا إلى عزف زملائهم أثناء تأدية المقطوعات، كي يتمكنوا من تحقيق التوازن المطلوب بينهم، وهنا لابد من الإشارة إلى موضوع دقيق، فالأطفال في المعهد قد لا يستمتعون بالتدرّب على المعزوفات المطلوبة منهم كي يجتازوا الامتحان، لأن المعزوفات المختارة للامتحانات هي معزوفات دقيقة ومطلوب منهم إتقانها كي يجتازوا الامتحان، ولكن هذا الأمر مختلف عما يعزفونه من مقطوعات في الأوركسترات، حيث يمنحهم العزف الجماعي شعورا جميلا تجاه الموسيقا والمقطوعات المتنوعة الألحان، وبالتالي هذا الأمر يدفعهم للشعور نحو المنتج أكثر من الاختصاص. هذه نقطة والنقطة الأخرى والمهمة جداً أن جمهور الأوركسترات هو من الأطفال أكثر من الكبار، لأن العمل للأطفال وموجه إليهم، كما أننا بحاجة للعمل على الأطفال كي يقتنعوا بأن هذا العمل لأجلهم وهو ما يدفعهم إلى تغيير نظرتهم وعقليتهم شيئاً فشيئاً، وخاصة أن ثقافتهم من التلفاز ومرة بعد أخرى سوف يتعلمون ماذا تعني الموسيقا والتقاليد الموسيقية وكيفية حضورهم الحفلات والأمر الأهم هو تأثرهم الكبير لأن من يعزف هو طفل مثلهم، وخاصة أنني أرى أن الثقافة بمختلف أشكالها إذا لم يتورّط المجتمع بها لن تصل إلى نتيجة بل تبقى ومضة وتذهب، وبالتالي الثقافة الموسيقية إذا احتضنها الأطفال وتورطوا بها، فسيصبحون خلّاقين ومبدعين، وخاصة أن النظرة الاجتماعية لهم مغلوطة لأنهم صغار الأجساد والعقول ولكن نحن لا نراهم هكذا، لأنهم مشاريع كبيرة وباستطاعتهم التقاط الأمور بشكل أسرع».

الأنشطة بين الرسالة والصعوبات
لكل مؤسسة برنامج تسعى من خلاله لتحقيق رسالة مهما واجهتها التحديات والصعوبات، وحول ما تواجهه أوركسترات معهد صلحي الوادي من صعوبات تحدث مدير المعهد: «الرسالة الأساسية في المعهد هي نشر الثقافة الموسيقية على أوسع مدى، واستطاع المعهد فرض حضوره من خلال ما حققه من وجود بسبب النجاح العلمي الكبير في سورية وخارجها، فهو أكثر معهد في سورية اسمه معروف في العالم كلّه. وبالعودة في الحديث عمّا تواجه الأوركسترات من صعوبات، هي بعدم تمكنها من العمل كلّها في نفس الوقت وذلك لسببين، الأول يعود إلى مكان التدريبات وهو المكان المتوافر بالمعهد، والسبب الثاني هو أن هناك عناصر مشتركة بين الأوركسترات الخمس. هذا من جهة ومن جهة ثانية نحن بحاجة إلى دعم قسم الأنشطة وتفعيله بشكل أكبر وذلك من خلال توسيعه وزيادة عدد الموظفين فيه، من أجل تفعيل الأنشطة والحفلات، هذا ونحن في المعهد نعمل بجهود شخصية والأوركسترات وحفلاتها مع التنظيم تحتاج إلى إمكانيات كبيرة، ورغم كل ما يواجهنا نحن اليوم بصدد التحضير لعدد من الحفلات وهي مشابهة لحفلات الصفوف التي كنا نقيمها، إضافة إلى إقامة مهرجان صلحي الوادي الأول».

من الأوركسترات… النفخية
من بين الأوركسترات في معهد صلحي الوادي نقدم لكم كمثال الأوركسترا النفخية التي يقودها العازف دلامة شهاب، حيث تحدث لنا عن تأسيسها وأنشطتها وما تتعرض له من تحديات مع ما ستقدمه في المستقبل من مشاريع قائلاً: «بدأنا في الصيف الماضي في عام 2016، ننقطع في المدارس بسبب دروس الأطفال، لكن يتم تكثيف العمل كلّه في الصيف، وعند حدوث الفعاليات والأنشطة نشارك فيها باعتبارنا نمثّل معهد صلحي الوادي كأروكسترا الآلات النفخية. تتراوح أعداد الأطفال فيها ما بين ثلاثين وخمسين طفلاً، أول مشاركة لنا كانت في المركز الثقافي في دمر، والثانية كانت في بيت نظام، أما الثالثة فكانت في قطاف الوردة الشامية في ريف دمشق، أثناء الفعالية كان الحضور من الكبار والصغار البسيطين جداً، والجميل بالأمر أنهم شعروا بالحب بما شاهدوه وسمعوه، فهو أمر غير مألوف لهم لكون المنطقة ريفية بسيطة، ومشاركتنا في هذه الفعالية بالذات كانت للتأكيد بأننا لسنا نخبويين بل نحن قادرون على الوجود في أي مكان من أجل نشر الموسيقا والثقافة الموسيقية في أي مجتمع، وضرورة الانفتاح على المجتمعات والثقافات الأخرى. أما بالنسبة إلى التزام الطلاب فهو ليس إجبارياً، وهنا لابد من الإشارة إلى إن كان الطفل موهوباً واستطاع أن يتابع ما قمنا بالتدرّب عليه من أجل الحفلات يمكنه المشاركة بالحفلة حتى لو كان متغيباً ما دام أنه متابع في التدريبات ولم ينس آلته وتمريناته. كما أنّ هناك من الأطفال من يعزف على عدة آلات، وهذه هي غايتنا بأن يكون لدينا أطفال موهوبون وجادون في موهبتهم ويسعون إلى صقلها بكل مثابرة وهمنا ليس المشاركة فقط بل المشاركة وتحقيق الإبهار. هذا كما أن العمل مع الأطفال ممتع ولكنه بنفس الوقت متعب جداً، فأنا أقوم بالضغط على الطفل كثيراً وخاصة أنّ عليه المثابرة على برامجه وتدريباته السنوية في المعهد، إضافة إلى تدريبات الأوركسترا وحفظ التقنيات المتبعة المختلفة عما يتدرب عليه في برنامج امتحان المعهد، كما عليه أن يسمع نفسه ويسمع من حوله، فهذه أمور كلها تدفعني بالضغط على الأطفال كي نحصل على أفضل نتيجة.
وفي الختام أريد أن أقول: طموحي بأن أضم هذه الأوركسترا إلى دار الأوبرا وأن أضيف إليها عازفين من المعهد العالي، كما أننا اليوم نعمل ضمن برنامج موسيقا الجاز وهذا تحدًّ جديد وغريب عن المعهد والأطفال، ولكن هناك حماس كبير من العازفين الأطفال وتطلّع كبير نحو ما سيقدمونه من حفلات في المستقبل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن