قضايا وآراء

داعش ليس في أحسن أحواله!

| صياح عزام

لم يتأكد بعد مقتل الإرهابي أبو بكر البغدادي بعد أن أعلنت روسيا احتمال ذلك، ولكن إن صحّ مقتله أم لا، فإن التنظيم الإرهابي قد تلقّى في الآونة الأخيرة صفعات وهزائم متلاحقة وكبيرة، ومن المرجح حسب آراء الكثير من المراقبين السياسيين والعسكريين، أنه سيكون لذلك تداعيات مهمة على حاضر ومستقبل هذا التنظيم.
روسيا ليست واثقة مئة في المئة من خبر مصرع ما يُسمى الخليفة، لكن اللافت للنظر أنها المرة الأولى التي تكشف فيها العاصمة الروسية عن قيامها بمطاردة واستهداف البغدادي، ولوحظ أنها تريثت طويلاً قبل الكشف عن خبر، مضى أكثر من نصف شهر عليه.
كما أن العملية تأتي في سياق التنافس والتسابق بين الدولتين العظميين على رأس الخليفة، ولكن بالتأكيد العملية الروسية لم تُنسّق مع الولايات المتحدة إلا بالقدر الذي يحفظ سلامة الطائرات الروسية فوق أجواء الرقة.
عادة، تستطيع منظمات إرهابية من هذا النوع، اجتياز مثل هذه المحن والهزائم، ومحاولة تقليل خسائرها ما أمكن كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لكن الظروف التي يمرّ بها تنظيم داعش الإرهابي صعبة، فهو ليس في أحسن أحواله في سورية والعراق، وإذا صحّ مقتل البغدادي فسيكون لهذا الأمر تداعيات كبيرة.
في كل الأحوال، سواء قُتل البغدادي أم لا، يشهد تنظيم داعش انهيارات سريعة عسكرياً وجغرافياً ومؤسساتياً، ويمكن القول: إن خطره «الإستراتيجي» ينحسر تماماً، بحيث لم يعد قوّة مُهددة كما كان، وإن كان خطره «الأمني» يبقى كامناً ومرشحاً للاستمرار لفترة طويلة قادمة، وفي مناخات الهزائم تتكاثر الانقسامات والاتهامات المتبادلة، وتتفاقم الخلافات، وهيهات أن ينجح التنظيم في ظروف كهذه في درء هذه الخلافات والالتقاء حول رجل واحد، وخاصة أن تقارير كثيرة أشارت إلى وجود خلافات متراكمة داخل التنظيم، منها ما هو بين «فقهائه وشرعييه» من جهة، أو بين هؤلاء وبعض من مكوّناته من وافدين ومحليين من جهة ثانية.
كما أن التنظيم يتسم بمركزية جديدة، بمعنى أن شخصية ما يسمونه الخليفة محورية في تركيب وهيكلية التنظيم، وهو بمنزلة «حجر الأساس» إذا انتُزع من مكانه، يصبح كامل المبنى مُعرضاً للانهيار، وصحيح أن الخليفة يفوض بعض أمرائه في الأقاليم والولايات بعض صلاحياته، لكنه يبقى له الحق بسحب هذا التفويض في الوقت الذي يريد، وفي إطار تنظيم ما تُسمى دولة الخلافة، فإن الخليفة لا نائب له يمكنه أن يتقدم، طلباً للبيعة على السمع والطاعة والولاء، ثم الأهم أن الخلافة المزعومة أصبحت في مهب الريح، والسؤال هنا، هل سيُصر التنظيم على إقامة دولته المزعومة بالتراتبية نفسها والبيعة ذاتها كـ«خلافة إسلامية»، أم إنه سيعود إلى ما كان قبل أكثر من ثلاث سنوات، ليرتضي بأن يكون مجرد تنظيم جهادي، إلى جانب العشرات من التنظيمات الجهادية الأخرى؟ وهل سيعترف تنظيم داعش بانتهاء الخلافة وبقاء التنظيم، أم إنه سيمضي في العناد والمكابرة؟
معروف أن داعش لا يعمل وحده، على الساحتين السورية والعراقية، بل هناك تنظيمات منافسة له ترتكب الجرائم نفسها، وبالتالي فإن أي هبوط في أسهم التنظيم، سيقود غالباً إلى ارتفاع أسهم منظمات إرهابية أخرى تُسمي نفسها «جهادية»، وهنا يتوقع مراقبون سياسيون أن جبهة النصرة الإرهابية التي فقدت الكثير من مناطق نفوذها ومؤيديها، بعد إعلان الخلافة في الموصل صيف عام 2014، هي المرشح الأوفر حظاً لـ«وراثة» داعش وخلافته، ذلك أن النصرة وإن كانت أيضاً في وضع لا تُحسد عليه، إلا أنها ما زالت تحتفظ بنفوذٍ في بعض معاقلها، وخاصة في إدلب، إضافة إلى أن أطرافاً إقليمية ودولية تراهن عليها وتدعمها وتعمل على تسويقها لتكون أحد مكونات ما يُسمى المعارضة السورية، وحيث تتحول من جزء من المُشكلة إلى جزء من الحل، ومن هذه الأطراف الداعمة لها أميركا وعواصم أوروبية وتركيا والسعودية وقطر.
بإيجاز يمكن القول إن تنظيم داعش الإرهابي في حالة تقهقر وتراجع سواء كان ذلك في سورية أم في العراق أو في غيرهما، وكذلك سيُهزم تنظيم النصرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن