ثقافة وفن

الحب الذي يشعل الشمس ولا يُطفئها

| أحمد محمد السح

يثبت الحب أنه اللامحدود الوحيد في هذا العالم، لا قالب يحبسهُ ولا نظرية تقوننهُ. لربما تكون هذه العبارة التي تطرأ بذهن متابع المسلسل المصري الجميل «لا تطفئ الشمس» الذي كتبه «تامر حبيب» عن رواية بذات العنوان للروائي المصري «إحسان عبد القدّوس» وأخرجه الشاب «محمد شاكر خضير».

وتمّ عرضه في موسم دراما رمضان لعام 2017، حيث تحتفل الشارة بكتابة اسم الروائي الراحل في البداية، من دون منافسة مرهقة من أسماء النجوم والنجمات اللواتي بات من الصعب في أيامنا هذه تمييز النجم من مصباح الفلورسانت، إلا أن هذه اللفتة تحسب خطوة مهمة لصنّاع هذا العمل بعد أن خفت الاهتمام بالأعمال الروائية والروائيين للاستعانة فيها لصناعة الدراما والسينما بينما تتوالى الصرخات بأن أزمة الدراما الحالية– في سورية على الأقل– هي أزمة نص، كما اصطلح عليه من المجتهدين والمهتمين، على حين رفوف المكتبات العربية ملأى بروايات تستحق الاشتغال عليها لنقلها إلى إحدى الشاشتين الصغيرة أو الكبيرة، وقد نجح هذا العمل باجتياز هذه العتبة بعد أن لفت انتباه من تابعه، ومن المتوقع أن تزداد نسبة مشاهدته في العرض الثاني، الأهدأ طبعاً، لأنه وبمنتهى الموضوعية يضع أمامه فكرة احترام عقل المتابع والابتعاد عن السرديات المملة التي يبدو فيها السيناريست مولوجستاً مع ذاته لا في حالة عرض مع جمهور يتابع ويدقق ويحلل، من الأفكار التي اعتمد فيها الكاتب السيناريست عند صياغة العمل هي عملية الإزاحة الزمنية لرواية كتبها الراحل عبد القدوس عام 1960 ونشرت عام 1961 وكانت على خلفية الحدث السياسي الطري وقتها ثورة 23 تموز 1952، من دون الدخول مباشرةً في ذكر هذا الحدث إنما الاتكاء عليه في تقديم المبررات الدرامية للحدث الأهم في الرواية التي نُشرت على جزأين في العام نفسه، حيث يكون الحدث الأساس هو الصراع الطبقي بين المحبين، وامتلاك الأسر الغنية في مصر عقلية جامدة تجاه الزيجات من طبقات أدنى، هذه الفكرة قد تبدو قديمةً للوهلة الأولى ولا يمكن إعادة إحيائها لكن السيناريست «تامر حبيب» اشتغل على الاعتماد على متن الرواية فقط، حتى إنه غيّر في أسماء الشخصيات الأساس فيها، وجعل أسماء أفراد الأسرة التي تدور حولها الحكاية تبدأ بحرف الألف، وجعل الجميع يغرقون في قصص حبّ حديثة ومعاصرة، عارضاً الرفاهية التي تعيشها الأسرة وإنما ليس بصورةٍ منفّرة كما وقعت بعض الأعمال السورية وقبلها المصرية في تسعينيات القرن الماضي حين عرضت بيئات تعيش ترفاً منفّراً يشعر المشاهد تجاهه بالحقد الطبقي حتى وإن حاول كبح جماحه، لكن قيمة الحب المرتفعة التي يعرضها العمل التي طغت على كل المشاهد المكتوبة بحرفية عالية التي يبدو فيها التعاون بين صنّاعه في أدق التفاصيل، لتكون الجمل الحوارية مفيدة ومكثّفة وبعيدة عن التكرار وتكون الأحداث رشيقة ومتتابعة، ولا يتمّ ذكر الحدث الواحد على ألسنة عدة شخصيات في العمل، كما يحدث في الكثير من الأعمال الدرامية، حيث يقوم الكتاب بعرض الحدث وبعدها يتم عرضه على شكل أخبار عاجلة على ألسنة شخصيات أخرى في العمل وكأن المشاهد كان غائباً عن حضور الحدث كما الشخصيات، وطبعاً معروف أن هذا الخلل يحدث إما لضعف السيناريست أو بقصد الإطالة التي تعتمدها الأعمال الدرامية الرمضانية، لكن هذا العمل «لا تطفئ الشمس» يتجاوز هذه الأخطاء ويبتعد كل البعد عن الكليشيهات الدرامية المقيتة التي اعتمدتها الدراما في صناعة الفعل وردود الفعل عليه، لا بل يتجاوز العمل الحبكة الروائية في خلق الشخصيات وتفاصيلها، في معظم شخصيات الرواية إن لم يكن في جميعها، فعلى سبيل المثال تظهر شخصية آدم في العمل التي يجسدها الممثل الشاب العبقري «أحمد مالك» شخصية مرحة ومقبلة على الحياة تدرس الهندسة وتعمل ستاند آب كوميدي ويعمل سائق تكسي أجرة على الرغم من مستوى العائلة الميسور، على حين شخصية «ممدوح» الشخصية الجذر في الرواية شخصية صاخبة ومرحة لكنها تدرس الحقوق وهي أقل جرأة لا بل تجنح إلى المعاناة في تصرفاتها كما رآها عبد القدوس، كما يضيف العمل شخصيات جديدة كما شخصية المربية «بسيمة» التي ذكرت من دون اسم في الرواية وبشكل عابر إلا أن الشخصية المكتوبة بدت رشيقة ومرحة ومحبوبة وبعيدة عن سلوك المربيات المعتاد وقد أدتها الفنانة «عارفة عبد الرسول» بحرفية عالية أعطت انطباعاً محبباً لدى كل من تابعها. العمل لم يكن أميناً على تفاصيل الرواية إنما بنى عليها، وهذا يحتسب للرواية وخلودها، كما يحتسب للسيناريست، والمخرج، فكما الفيلم لم يكن أميناً على تفاصيل الرواية وقد حمل العنوان ذاته وأدى بطولته «فاتن حمامة وأحمد رمزي وعمر الشريف» وأخرجه «صلاح أبو سيف»– للمذكورين الرحمة– إلا أن هذا العمل الدرامي أضاف إلى الحكاية خيوطاً جديدة متشابكة فيها الكثير من الحب وعلاقات الحب، وانتصار أساسي للحب الذي تراجع في الواقع وتراجعت طريقة عرضه في السينما والتلفزيون والأغنية، لكن هذا العمل محبوك بكثير من الحب وباجتهاد كل من عمل فيه وبطلته الجميلة أبداً ميرفت أمين، والفنان السوري جهاد سعد، والقدير زكي فطين عبد الوهاب، وجميع الشباب والشابات الذين أدوا أدواراً غاية في الإقناع والحرفية ويؤكدون أننا أمام ممثلين مقتدرين لا غواة شهرة وبهلوانيات، أما عن تقنيات الإخراج وتفاصيلها التقنية فتترك لأهل الاختصاص حتى يبقى الكلام ضمن حدود الاحتراف والقدرة، لكن الانطباع الأولى بذكره أن العمل مبني بكل تفاصيله الصورية والمشهدية والموسيقية بحرفية عالية، ليكون كل مشهد غاية بحدّ ذاته، لا وسيلة لتمزيق الوقت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن