ثقافة وفن

معرض فني تشكيلي بمبادرة من الأصدقاء … جورج عشي لـ«الوطن»: الثناء منحني شحنة جديدة من الطاقة والتفاؤل في ظل الجو الذي نعيشه

| سوسن صيداوي

الموهبة أمر ربّاني، وكيفية منحها ولماذا، هي أمور يصعب على الكثيرين فهمها أو إدراكها، ولكن الأصعب بأن يحافظ المرء على موهبته هذه، بل عليه أن يلتزم بإيمان عميق بها، كي تبقى مشعة كالشمعة في قلبه وفي حياته وحياة الآخرين. وفي الوقت الحالي الذي نعيشه منحنا القدر فرصة التعرّف على قامة من القامات السورية التي خصّها الله، ليس بموهبة واحدة، بل بمواهب متنوعة، استطاع أن يوازن بينها وينجح بكل واحدة منها، فمن الرسم إلى كتابة الشعر إلى التصوير الفوتوغرافي يطل علينا بقامته الناهضة وبطلّته المحبّة معرفا عن نفسه بفن ثقافي سوري نفخر به. إنه الفنان جورج عشي الذي أحزنه الواقع السوري الأليم وجعله يفكر في الاعتزال عدة مرات، ولكن لمّة الأصدقاء السورية المعنيّة بكل ما هو سوري أصيل، قررت ونفذت، فكان افتتاح الدورة السادسة من ملتقيات دمشق الثقافية التي تقيمها مديرية ثقافة دمشق في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، حيث احتضنت صالة المعارض في المركز، معرضا للفنان عشي الذي قدم فيه أعمالاً من تجربته التشكيلية الممتدة لنحو خمسين عاما عبر لوحات ضجّت بالألوان الزيتية، لخصت حياته منذ الطفولة حتى اللحظة مع كل ما كان حوله من عادات وتقاليد عاكسة التراث الشعبي السوري، متنوعة بين الواقعي والانطباعي ورسم الكاريكاتور إضافة إلى رسم البورتريه.

تكريس للثقافة السورية

حضر افتتاح المعرض معاون وزير الثقافة علي المبيض الذي أكد دور الوزارة في تكريس وتسليط الضوء على بعض المبدعين والقامات الفنية والثقافية، متحدثا «المعرض هو حالة ابداعية كرّسها الفنان جورج عشي ببراعة وتقنية عالية تعكس ثقافة السوري التي عمرها آلاف السنين، وكان قد خصص الفنان في لوحاته جزءا منه للتراث السوري الذي يعكس بعض عادات المجتمع السوري، والحقيقة أنه من المهم جدا في هذه الفترة الحرص على الهوية الثقافية لنا، بتسليط الضوء على حالات فنية وقامات إبداعية متنوعة والتي هي كثيرة في المجتمع السوري، وهذا الأمر رسالة للداخل والخارج توضح بأن السوري مُصرّ على الحياة وعلى التواصل مع الآخرين ومع الجسور المبنية على الثقافة والفن، ووزارة الثقافة من خلال عملها مصرة على مثل هذه الأعمال وترعاها وتكرّسها من أجل تكريس هويتنا التي يحاول أعداؤنا بشتى الجهود أن يسرقوها أو يزيفوها أو يدخلوا بعض الصفات الهجينة على أخلاق وطباع شعبنا، وأخيراً أريد الإشارة إلى أن المجتمع السوري كما ذكرت يضم العديد من القامات الفنية والثقافية التي تستحق التكريم والفنان جورج عشي من بينها».

المعرض شحنة من الطاقة
بيّن عشي خلال الافتتاح بأن تجربته في الفن التشكيلي أو كتابة الشعر كانت سبقت مسيرته مع التصوير الضوئي، مشيراً إلى أن اللوحات متنوعة الزمن والموضوع وكلّها تعود إليه وإلى تفاصيل حياته، مستخدما رموزا من الحياة السورية سواء من خلال العادات والتقاليد والأزياء والطبيعة وكذلك الدين متابعا «شعرت بالسعادة الكبيرة في هذا المعرض وخاصة بأن الافتتاح كان فيه إقبال كبير من قامات فنية وثقافية ومن المتابعين، وكان هناك ثناء منحني شحنة جديدة من الطاقة والتفاؤل في ظل هذا الجو الذي نعيشه، وبالنسبة للمعرض فهو مبادرة من مجموعة من الأصدقاء الذين جاؤوا إلي وعرضوا الفكرة وأصرّوا ونفذوا واختاروا حتى اللوحات، والتي هي تعرض لما يمكن أن يشمل مراحل زمنية مختلفة ومتنوعة من حياتي سواء في الطفولة أو في النشأة، فمثلا اللوحات التي فيها رجل يلبس طربوشاً تشير إلى أبي الذي كان يلبس طربوشا، وبالنسبة للوحات التي ترمز إلى الدين أردت أن أشير إلى مرحلة الدراسة والمرحلة التي بدأت أرسم بها الأيقونات، وكذلك الطبيعة فهي طبيعة الريف الطرطوسي في ضهر صفرا مسقط رأسي، وأيضاً العادات والتقاليد في الحياة الأسرية، فكلّها مواضيع حاولت أن أجسدها في اللوحات».

العشي تاريخ ثقافي
من بين الحضور كان الفنان التشكيلي موفق مخول الذي تحدث عن أهمية هذا المعرض، مشيرا إلى أن الفنان جورج عشي تاريخ للثقافة السورية في العديد من المجالات، قائلا «الفنان جورج عشي تاريخ للثقافة السورية ليس فقط بالفن التشكيلي، فهو من شعراء الأغنية الجميلة جدا، وهو مصور فوتوغرافي رائع، ومصور زيتي تشكيلي رائع، ففيه حالة ثقافية مهمة، من خلال تاريخه الزمني في سورية، فلقد قدم الكثير، ونحن تعلمنا منه الكثير من روحانياته وثقافته وأدبياته وحتى لغته التشكيلية التي تمثل حياته وبساطته والتي لها علاقة بالمحليات وبالعادات الدمشقية، فهو قادر على جمع أكثر من عنصر بألوانه الفنية البسيطة، وهذا أمر جد مهم بأن يقوم الفنان التشكيلي بتبسيط اللون باعتبار الفنان عشي شخصية فنية مميزة لا تشبه أحداً فهو ليس شخصية تقليدية مكررة، وبالنسبة لهذا المعرض فهو يضم لمسة متنوعة من فن وثقافة لإنسان كبير في ثقافته وفنه واحتوائه الزمني للكثير، وأنا أحب أعماله التشكيلية لبساطتها في الألوان ولجرأة التكوين، وخاصة بأنه حتى اللحظة ورغم كل ظروف الواقع السوري إلا أنه لا يزال يكتب شعرا ويرسم لوحات ويقوم بالتصوير وهذا يدل على إبداعه النابع من حبه للحياة ونحن نتفاءل به وبفرحه وخاصة في ظرف الحزن البصري السائد».

عشي فنان بثلاثة أبعاد
أكسم طلّاع وهو أحد منظمي الدورة السادسة لملتقيات دمشق الثقافية ومنظم للمعرض، كان بين الحضور الذي تحدث عن أهمية هذا الملتقى وأهمية مشاركة العشي لتميزه عن باقي الفنانين التشكيليين: «جورج عشي فنان بثلاثة أبعاد فهو مختلف عن بقية الفنانين لأنه يعمل بعدة اتجاهات فهو فنان تشكيلي وشاعر ومصور فوتوغرافي، ونحن في هذا المعرض قدمناه بطريقة تدل عليه كفنان تشكليلي متمكّن من أدواته، فله البصمة الخاصة التي تمثله كشاعر وإنسان، والمعرض يضم مجموعة أعماله خلال مراحل متعددة، والملتقى التشكيلي يُعنى بالتجارب الأصيلة وتنوع هذا الملتقى من خلال عرض العديد من التجارب سواء أكانت تشكيلية أم رسوم أطفال أم خطاً عربياً ونحتاً وحفراً وهذه الدورة كانت من نصيب الفنان جورج عشي».
المعرض استعادي

بديع جحجاح أدلى بأن المعرض فيه استعادة لذاكرة شعبية ترسّخ عناصر ورموز الشخصية السورية، مشيرا إلى أن الفنان قام بأنسنة الكائنات بصورة تميل إلى التجريد، متحدثا «في البداية أنا أجد الفنان جورج عشي قامة فنية لطيفة جدا فكلمات أشعاره تسبقه، وفي هذا المعرض أنا أتعرف عليه كفنان تشكيلي مهم جدا من خلال التنوع بالحالة الاستعادية لمجمل اللوحات، فمن الواضح أن هذا المعرض هو معرض استعادي لأنه يبدو من خلال اللوحات بأنها تعود إلى أزمنة متغايرة بين القديم والحديث، والتي واضح فيها النضج في مكان والجدية بمكان آخر، وأنا أرى أن الفنان جورج يستحق هذا التكريم».

حالة فنية متنوعة
تحدث الفنان التشكيلي نبيل السّمان عن تنوع مواهب الفنان عشي مشيرا إلى أهمية تحقيق توازن بينها والبقاء على الإبداع في كل حالة منها، متابعا «الفنان جورج عشي هو أكثر من فنان بل هو حالة فنية متنوعة، فهو أكثر من رسام وأكثر من مصور فوتوغرافي وأكثر من شاعر، وقدرته على التعبير بين كل نوع مما ذكرت يجعلنا نتساءل، فمثلا بالرغم من تاريخه الطويل في التصوير الفوتوغرافي استطاع أن يتحرر منه، من خلال الرسم في البورتريه، والأفكار الجديدة التي قدّمها مثلاً في العيون وهي نافذة الروح، إذاً هذا برأيي أمر مهم لأنه بالرسم نذهب إلى الحالة التعبيرية في حين في التصوير الضوئي علينا اقتناص اللحظة، لهذا لا أستطيع الفصل. أما بالنسبة لما نراه في المعرض فهو من مراحل مختلفة وأزمنة مختلفة، وبالتالي لا نستطيع القول بأنه عمل للسنتين الماضيتين، بل هو مجموعة أشياء تعود إلى مراحل متقطعة بالزمن ولكل لوحة قصة ولا نجد قصة تجمع المعرض كلّه، فكل لوحة مهمة في الإطار الزمني التي عمل بها، وتشكل جزءا من حياة وذكريات، وخاصة أن الفنان يرسم لوحته كما يكتب قصيدته، وهذا واضح من خلال التنوع والاختلاف بين الأشياء وهذا أمر أجد فيه غنى كبيراً ولا أجده ضعفا أو فقراً على العكس بل هو جدّ مهم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن