اقتصاد

الاستثمار بالحماسة!

| علي محمود هاشم

مشكلتنا عويصة مع الإنتاج، هذه الحقيقة المتفق عليها، تطارد الحكومة في ميلادها الأول وتدفعها إلى التعويض النفسي بترقيع النوع بالكم، وفق هذه المعادلة المبسّطة، يمكن فهم احتفاليتها بعقد ملتقى الاستثمار «الأول»، وتركيزها الصارم على «الإنتاج» الصناعي ضمن سوق سياحية، مع وعود حماسية باستدامته لثان وثالث وربما رابع!
شعور الحكومة العميق بحالة انعدام الحيلة، تفلّت من فراغ الساعات الطويلة لجلساته القصيرة، فذهبت مداخلاتها إلى نسج حبائل الشك حيال مستقبلنا أكثر مما سعت إليه من يقين، وزير المالية، مثلاً لا حصراً، أكد توجه السياسة المالية لدعم الإنتاج وأن الأموال جاهزة والحكومة جاهزة لمنح القروض ولديها المعرفة كيف تقرض ولمن؟ ألا يجدر بالمرء الشعور بالشفقة على حال الاقتصاد جراء هذه الرسالة المبهمة؟
الإنتاج ليس بخير ولا رؤية لاستنهاضه، ثمة عشرات البراهين على ذلك، وما المؤتمر سوى مناسبة متجددة لاكتشاف قدرات الغطس الحكومية في حضرة الماء، ففي الوقت الذي تقضي فيها الحكومة وقتها بامتداح قدراتها المذهلة على «إطلاق الإنتاج»، كما لمصادرها بالتغزل بإنجازاتها قياساً بسابقاتها، إلا أن ذلك -في الأغلب- لا يكفي لتضميد جراحه. القيام بذلك قد يكون بسيطاً للغاية إذا ما فعل مسؤولوها ما رددوا خلاله أنهم سيفعلونه، وإن استجابوا لما طالب به ممثلو الاتحادات من الحضور!
من عشرات البراهين على فشلنا باستنهاض الإنتاج، يمكن اتخاذ مدينة «الشيخ نجار» الصناعية مثالاً، فهذه المدينة إحدى بضع مناطق تم تجفيف أزماتها الأمنية مبكراً من العهد الحكومي الميمون، وإذا ما عقدت المقارنة بينها وبين «حسياء»، يسهل الوقوف على تفوقها في استقطاب المنشآت بحدود 5 أضعاف لهذا العام، إلا أن مقطعاً عرضياً في قدرتهما الإنتاجية يوحي بالخلل الكبير في إدارة التعافي خلال عهد الحكومة الحالية، ذلك أن وسطي إنتاج المنشأة الواحدة في حسياء يبلغ نحو 116 طناً في الشهر، على حين يقل في الشيخ نجار عن 33 طناً!
بطبيعة الحال، تشير البيانات الرسمية آنفة الذكر إلى أن الورشات الصغيرة هي فقط من تلتحق بالعمل في الشيخ نجار بضغط من إجراءات إدارية محضة: مؤسسات منتجة تبدّل مقراتها لا مؤسسات جديدة تدخل ميدان الإنتاج. أما السبب فلأنها الأقدر على تجاوز عقبة الفوارق الكبيرة في وثوقية البنى التحتية، وما لم يكن في الأمر توجه حكومي مدروس، فيمكن لنموذج «الشيخ نجار» أن يشكّل بيدراً لقياس الفشل في إطلاق عجلة الإنتاج الصناعي، تماماً كما متوقع أن يكون عليه موسم القمح في شق الإنتاج الزراعي!
قد يقيض لنا اكتشاف ذلك إن جنّبنا الاستماع إلى إسطوانتها المتصاعدة بـ«ضرورة استقطاب الأموال المهاجرة»، فتلك الأموال التي لم تعد، لن تعود إلا من تلقاء نفسها، وسوف تظل ترقب قدرتنا على إطلاق المتاح من كوامن الإنتاج لدى الشركات الوطنية المقيمة بعد إنجاز الاستحقاقات التي لم يتم استيفاؤها، وهذا أمر يتطلب رفع شعار «إطلاق عجلة الإنتاج»، لكن بحقّ هذه المرة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن