ثقافة وفن

في رحاب الحياة النيابية أيام زمان

| شمس الدين العجلاني

في مسيرة الحياة النيابية السورية قصص وحكايا تروى
في خفايا الحياة النيابية السورية مواقف نساء ورجال خطت بماء الذهب
في حياتنا النيابية طرائف ونوادر روتها جرائدنا
تناولت جرائد ومجلات أيام زمان أخبار وحوادث البرلمان السوري، وهي تدل على مدى وعي آبائنا وأجدادنا للحياة البرلمانية والنقد الذي وجهته الجرائد للنواب.
لنبدأ الحكاية ونقرأ بعضاً من صحافة أيام زمان، لنقرأ حكايا الطرافة وبعضاً من حكايا عراقة بلادنا.

التحريض على النواب زمن المحتل الفرنسي
ذكرت جريدة (المقتبس) الدمشقية في شهر نيسان من عام 1909م: «لم نشهد مجلساً جرى فيه ذكر نواب العرب ومجلسنا النيابي إلا وكانت الصدور مملوءة غيظاً من تأخر نوابنا عن مشاركة إخوانهم نواب العناصر العثمانية الأخرى في النظر في مهام الدولة وإصلاح حال الأمة، فكأن شؤوننا المالية والاقتصادية وحالة فلاحنا وجهله وسوء حاله ليست مما يجب عليهم أن يفكروا فيه ليلهم ونهارهم ويجعلوه دينهم وموضوع اهتمامهم.
فنوابنا يحافظون على مناصبهم كالمأمورين الساقطين، فأكثرهم لا يصدق بأنه نائب ويقبض مرتبه ويدخل غرفة النواب، وقد زادهم تمسكاً بخطتهم تمديد مدة النيابة عن هذه السنة إلى آخر حزيران والسنين القادمة ستة أشهر فتزيد مرتباتهم بذلك قائلين: إننا إذا تكلمنا نخجل ولعل كلامنا لا يحوز القبول ولا أعلم عند عودتهم إلى بلادهم كيف لا يخجلون من أهلها إذا لم يحسنوا استقبالهم.
ولو كان النواب العرب على قلب واحد وفكر واحد لجدّوا في عمران بلادهم من دون محاباة وخوف ووفقوا لنيل كل ما يقترحون لأن عددهم الآن سبعون نائباً ويلحق بهم من بقية النواب كثير فيحرزون الأكثرية في كل ما يقترحون لخير بلادهم ولكنهم لم يأتوا ويا للأسف بعمل وأصبحوا موضوع الازدراء، فعلى كتّابنا أن يسلقوهم بأقلامهم ويرسلوا إليهم المناشير الخاصة والمقالات في الصحف علّهم يصحون من سكرتهم».
سيطر المستعمر الفرنسي على البرلمان

في عددها الصادر في شهر تشرين الثاني عام 1930م ذكرت مجلة «المضحك المبكي» لصاحبها حبيب كحاله: «مندوب المفوض السامي في الشام بيساوي رئيس جمهورية مع وزارة مع مجلس نيابي». وتابعت القول: «المسيو بونسو وحده بيساوي كل الدول السورية اللبنانية مع دساتيرها».

استمالة الناخبين بوساطة الأراكيل
اقتبس كثير من المرشحين في دمشق طريقة استمالة الناخبين بوساطة الأراكيل والمشروبات المثلجة على اعتبار أن الكوكا كولا ممنوعة في دمشق. وقد دفع أحد المرشحين عشرين ألف ليرة ثمن أراكيل وقهوة وزمبو كولا!
هذا ما ذكرته مجلة «الصياد» اللبنانية في عددها رقم 558م ليوم 30 أيلول عام 1954م نقلاً عن مدير مكتبها في دمشق.

الصحفيون والانتخابات
كان عدد الصحفيين الذين خاضوا معركة الانتخابات السورية كبيراً نذكر منهم: حبيب كحالة، ووديع صيداوي، ومنير الريس عن دمشق وأحمد قنبر ومحمد طلس عن حلب وسعيد التلاوي عن حمص وقد انسحب قبيل المعركة نكاية بالناخبين، والصحفي الوحيد الذي نجح هو الأستاذ حسين الشعباني عن قضاء جبل سمعان!!
هذا ما ذكره مراسل مجلة الصياد اللبنانية في دمشق في العدد 558 رقم تاريخ 30 أيلول 1954م.

متى منع إدخال السلاح
إلى قاعة مجلس النواب؟
كان النواب وخاصة نواب العشائر يدخلون مسدساتهم إلى قاعة الاجتماعات، ومن ثم منع رئيس مجلس النواب سعد اللـه الجابري إدخال السلاح إلى قاعة اجتماعات النواب، وتروي مجلة الصياد اللبنانية في عددها رقم 603 تاريخ 22/3/1956 ذلك بالقول: «عندما كان المغفور له سعدالله الجابري رئيساً للمجلس النيابي قبل عشر سنوات، شاهد رئيس شرطة البرلمان يدخل القاعة ويتدلى على جنبه مسدسه، فصاح في وجهه: اخرج من هنا… وإياك أن تدخل حرم المجلس ومعك أي سلاح. وأصبح تقليداً معمولاً به، منذ ذلك اليوم». وتتابع «الصياد» بالقول: «وطلب (سعد اللـه الجابري) رحمه اللـه بالحسنى من النواب المسلحين، أن يضعوا أسلحتهم في مدخل المجلس عند موظف خاص، على أن يأخذوها عقب خروجهم من القاعة. ولكن الأمر اليوم، لم يعد كما كان عليه قبل عشر سنوات…».

رواتب النواب
حتى مجلس عام 1936 كان راتب النائب الشهري لا يزيد على مئة ليرة سورية.. ثم اقترح البعض تأليف لجنة لبحث زيادة رواتب النواب.. ولما تألفت اللجنة استقال أحد أعضائها الشيخ محجم بن مهيد لئلا «يزعل» أحد النواب.
«مجلة الصياد العدد 602 تاريخ 15/3/1956».

العسكر في البرلمان
في عام 1952م تسارعت الأحداث السياسية بعد لجوء الرئيس أديب الشيشكلي إلى لبنان، فقام الزعيم شوكت شقير بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ولكن الرئيس (رتبة عسكرية)، عبد الحق شحادة لم يوافق على هذا الإجراء فاعتقل شقير، ودُعي مجلس النواب إلى دورة استثنائية عاجلة، لبحث التطورات في البلاد، وبعد دخول النواب إلى المجلس فوجئوا بالرئيس شحادة عبد الحق مع عدد من رجال الجيش يدخلون المجلس ليُعلموا النواب أن شحادة يسيطر على سلاح المدرعات والدبابات، وأنه يعتبر المجلس الحالي هو المجلس الشرعي الذي يجب أن يظل. وطلب شحادة من النواب أن يتخذوا الإجراءات الدستورية في ظل الظروف القائمة… انعقدت جلسة مجلس النواب برئاسة رئيسه مأمون الكزبري، وتُلي كتاب استقالة الشيشكلي، وأعلن الكزبري نفسه رئيساً للجمهورية سنداً للدستور، وأذاعت إذاعة دمشق نص كلمة الكزبري في جلسة النواب التي أعلن فيها نفسه رئيساً للجمهورية: (عملاً بالمادة الثالثة والثمانين من الدستور يقوم رئيس مجلس النواب بممارسة مهام رئاسة الجمهورية بالنيابة، وعليه وبعد أن تم نشر كتاب استقالة الرئيس يترتب علي عملاً بالدستور أن أقوم بأعباء رئاسة الجمهورية ريثما ينتخب رئيس الجمهورية خلال شهرين من فراغ منصب الرئاسة).

الغرفة السرية
أدخلت طريقة الاقتراع بوساطة «الغرفة السرية» إلى الانتخابات السورية لأول مرة في تاريخ الشرق العربي، فكان الناخب يدخل إلى «الغرفة السرية» ليكتب أسماء مرشحيه بعيداً عن مراقبة أحد من الموظفين أو الأصدقاء أو رؤساء الأحياء.. هذا إذا كان يعرف الكتابة طبعاً.
«مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954».

اتهام رئيس مجلس النواب

مجلة الصياد في عددها رقم 588 تاريخ 8 كانون الأول 1955م ذكرت: (استطاع الدكتور ناظم القدسي رئيس المجلس النيابي أن يسجل هذا الأسبوع نصراً، كسب فيه حتى أعداء حزبه من النواب. فقد اتهمته جريدة ملوثة من صحف المعارضة بأنه وبعض أعضاء حزب الشعب اشتروا ضاحية في حلب، وبعد ذلك أوعزوا إلى الدوائر المختصة بجعلها منطقة للمشاتي ليرتفع ثمنها ويثروا بسبب ذلك على حساب الشعب.
وكانت التهمة كبيرة، رغم أنها كاذبة ومختلقة، ووقف رئيس المجلس النيابي في المجلس هذا الأسبوع، لينصف الناس بل ليطلب لنفسه ويكلف النواب بتأليف لجنة تحقيق في الموضوع ورفض النواب وقالوا إنه فوق مستوى الاتهامات! وقال خصومه إن الاتهام غير وارد وإنه بريء.
ولكنه رفض وأصر على إجراء التحقيق وتأليف لجنة نيابية، وأُلفت اللجنة وظهرت براءة الرجل).

حين نجح بكداش في الانتخابات
تقول مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954: «تميزت الانتخابات السورية بكثير من المفاجآت وكثير من الطرائف، لعل أشهرها نجاح السيد خالد بكداش ووقوع السيد سعيد الغزي في البالوتاج، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الانتخابات السورية قد جرت في جو من النزاهة والنظافة والحياد لم تعرفه معظم البلدان العربية.

نساء دمشق ضد الإخوان المسلمين
عقد الإخوان المسلمون في دمشق اجتماعاً في الجامع الأموي هاجموا فيه السيد خالد العظم هجوماً شخصياً، وقالوا في حياته الخاصة كلمات جريئة، فكان ذلك سبباً في انتصار جميع الهيئات النسائية لخالد العظم، وكسب بذلك ثمانية آلاف صوت هي مجموع أصوات النساء المثقفات في العاصمة السورية، وهكذا خدم الإخوان المسلمون خالد العظم بدلاً من أن يسيئوا إليه!
«مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954».

عطر افتكرني
وزع السيد خالد العظم على الناخبات بطاقة تحمل اسمه وهي معطرة بالبنفسج المشهور باسم افتكرني!
«مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954».

كيف دخل بكداش إلى دمشق عام 1954؟
المعروف أن السيد خالد بكداش كان في موسكو خلال السنتين الماضيتين.
وقد امتلأت دمشق بإشاعات كثيرة عن طريقة عودته إلى دمشق، منها أن خالد بكداش دخل دمشق في صندوق خشبي كبير من الصناديق التي نقلت فيها روسيا معروضاتها الوطنية في معرض دمشق الدولي وهذه بلا شك تشنيعة لا أثر لها من الصحة!
«مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954».

خالد بكداش هو الأكثرية
سأل صحفي أميركي عند ظهور نتائج الانتخابات في دمشق عن نسبة نجاح الشيوعيين فقيل له إن الشيوعيين فازوا بالأكثرية، على اعتبار أن خالد بكداش وحده هو أكثرية.
وتتابع مجلة الصياد القول: «نزل خبر نجاح السيد خالد بكداش على الدوائر الديبلوماسية الأميركية نزول الصاعقة، فإن خالد بكداش هو أول شيوعي يدخل البرلمان في البلاد العربية».
«مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954».

أحلى نكتة في اللاذقية
ذكرت مجله الصياد عام 1954م أن أحد الظرفاء قال: إن نجاح صديقنا اللدود السيد نوفل الياس بالانتخابات في منطقة اللاذقية هو أحلى نكتة قالها أبناء اللاذقية في تاريخ سورية الحديث.
«مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954».

خالد بكداش دمه ثقيل
وقعت خناقة في مدرسة التجهيز التي خصصت لمراكز اقتراع السيدات، بين آنستين، انتهت بشد الشعر وتمزيق الثياب والشقلبة فوق بلاط المدرسة، وقد تبين أن سبب (الخناقة) هو آنسة من الحزب القومي السوري وقالت الآنسة شيوعية «إن خالد بكداش دمه ثقيل»!! وهذا طبعاً غير صحيح بل العكس تماماً.
«مجلة الصياد العدد 558 تاريخ 30 أيلول 1954».
هذه بعض من وقائع وحوادث في سيرة حياتنا البرلمانية أيام زمان كما روتها صحف ومجلات سورية ولبنانية علها تضيء بعضاً من خفايا وطرائف ذاك الزمن.
ويبقى الماضي جزءاً مهماً في مسيرة الحاضر والمستقبل، وإن أمة لا تعرف تاريخها لا يمكن لها بناء مستقبلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن