قضايا وآراء

كوبا وإسرائيل واليونيسكو

| تحسين الحلبي  

في الرابع من شهر تموز الجاري عقدت منظمة «اليونيسكو» جلسة حول موضوع القدس وفلسطين والتراث العربي والإسلامي، فاستغل مندوب إسرائيل شاما هاكوهين الجلسة التي عقدت في أجواء مناهضة لإسرائيل وألقى كلمة بعدة دقائق تمكن خلالها بطريقة التلاعب والابتزاز الصهيونية المألوفة من الطلب إلى الحضور بالوقوف دقيقة صمت على «الضحايا من يهود أوروبا الذين سقطوا على يد النازية» وبعد أن انتهت الدقيقة، قال للحضور بلهجة مذلة للعرب وللمسلمين: «قبل شهر توجهت بطلب إلى مندوبي الدول العربية في منظمة «اليونيسكو» عن طريق أحد السفراء العرب أن يتعاطفوا مع «الهولوكوست – المحرقة» وألا يقدموا أي قرار ضد إسرائيل حول القدس، وليعلموا أن النازيين لم يستطيعوا منعنا من استعادة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ودعوني أختم بالقول: إن هتلر النازي وشركاءه مثل أمين الحسيني، لم ينجحوا ضدنا وأنتم أيضاً لن تنجحوا في التنكر للمحرقة وفي سعيكم لإبادة إسرائيل، ولن يحرك أي قرار لـ«اليونيسكو» حجراً من جدار جروزليم – اورشالايم (القدس) هكذا نسميها ولن تستطيعوا إعادة كتابة تاريخها».
وعند انتهاء هذه الكلمة الصارخة في عدوانيتها سارعت مندوبة جمهورية كوبا وطلبت الكلمة، فقالت: «أعتقد أن رئيس الجلسة هو الذي يستطيع الطلب للوقوف دقيقة صمت وما جرى هو تفسير خاطئ للدعوة للوقوف، وأرى أن هذه الدعوة جرى التلاعب بها مرّة ثانية لأن ما تقوم به هذه اللجنة، والمقصود لجنة التراث الإنساني- التابعة لـ«اليونيسكو»، لم تتخذ قرارات حول إسرائيل، والقرارات التي اتخذناها لا تعكس شيئاً من هذا القبيل، لذلك فلتسمحوا لي أن أطلب من السيد رئيس الجلسة أن نقف لمدة دقيقة صمت من أجل الفلسطينيين الذين قتلوا في المنطقة».
ووقف الجميع وصفقوا بعد انتهاء الدقيقة على حين أن بعض الوفود لم تقف عندما طلب المندوب الإسرائيلي الوقوف، كما لم يصفق أحد بعد انتهاء تلك الدقيقة الإسرائيلية.
السؤال الذي يطرح نفسه، أن الحضور في تلك الجلسة سواء من العرب أم المسلمين، لم يخطر ببالهم وهم يستمعون إلى خطاب الجلاد المحتل والسجان المستعمر مندوب إسرائيل، أن يبادروا إلى طلب الكلمة والرد، بل «ابتلعوا» الإهانة وصمتوا، على حين أن إسرائيل تعد كل كلمة من هذا النوع وثيقة للتنكر لحقوق شعب، بل أمة كاملة في القدس وفي فلسطين، ومحو تاريخ العرب فيها بل تهويد أقدس ما للعرب من مسيحيين ومسلمين من أماكن مقدسة فيها.
لقد تمكنت مندوبة كوبا من ترجيح كفة العدالة بكلمات قليلة عميقة في أبعادها وجعلت من يزعم أنه الضحية، يظهر بصفته الواضحة محتلاً وقاتلاً للفلسطينيين أصحاب الأرض والقدس في وطنهم وخارج وطنهم، إن إسرائيل تريد أن تفرض علينا ألا نرى من يقف معنا في قضية العرب المركزية فلسطين، وما أكثر الدول والشعوب التي تقف مع هذه القضية العادلة، فمن يرفض ما فعلته النازية في الحرب العالمية الثانية، لا يمكن أن يكرر جرائمها إذا كان يريد للآخرين أن يروا فيه ضحية النازية.
التاريخ المزعوم الذي تحدث عنه مندوب إسرائيل في جلسة «اليونيسكو» لن يغير من الحقيقة التي يعرفها جميع ضحايا النازية في أوروبا والعالم، وهي أن الحركة الصهيونية كانت أول من تحالف مع القيادة الألمانية النازية لتحقيق أهدافها، ثم تبادلت معها أثناء الحرب، بعض المصالح المشتركة، وقد ظهر ذلك جلياً في الخمسينيات، حين كشف عدد من الكتاب والصحفيين اليهود الأوروبيين في إسرائيل وفي أوروبا، عن اتفاقات عقدها بعض قادة الحركة الصهيونية مع قادة النازية ومن هؤلاء الكتاب عاموس ايلون ونايل غوردون اللذان تحدثا عن هذه العلاقة بالوثائق.
وفي هذا الإطار، كشف كتاب بعنوان «اتفاقية الترحيل قصة الحلف بين الرايخ الثالث واليهود» من تأليف أدوين بلاك، أنه وفي عام 1933 عقد قادة الحركة الصهيونية اتفاقاً سرياً مع النازيين يتم بموجبه ترحيل 60 ألفاً من يهود ألمانيا إلى فلسطين، ومنح الحركة مبلغاً من المال مقابل خدمات تقوم بها الحركة لمصلحة النازيين لتعزيز حكم هتلر.
كما أظهر كتاب آخر بعنوان «51 وثيقة للتعاون الصهيوني مع النازية» بقلم ليني برينير، رسالة لزعيم منظمة «شتيرن» عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية تتعهد فيها بالقتال إلى جانب النازيين مقابل تأمين دولة لليهود في فلسطين، وأيضا نقل المؤرخ الإسرائيلي توم سيجيف عن بن غوريون قوله: «لا يهمني إذا قتل نصف الأطفال اليهود الألمان مقابل وصول نصف آخر إلى فلسطين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن