قضايا وآراء

في قراءة متأنّية

| بيروت – رفعت البدوي 

لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي ڤلاديمير بوتين في قمة دول العشرين المنعقدة في مدينة هامبورغ الألمانية تصدّر، قائمة الاهتمامات الإعلامية والسياسية والاقتصادية نظراً لأهمية الملفات الدولية والإقليمية العالقة بينهما ورغبة الطرفين في إيجاد قواسم مشتركة تحفظ مصالح كل منهما دولياً وإقليمياً.
عقب الاجتماع، سادت موجة من التصاريح الإعلامية الفاقعة بالتفاؤل والإيجابية بدت وكأن الأمور بين القوتين وصلت إلى خواتيمها، بيد أنه لولا أبدينا قراءة متأنية لمآلات الأمور لاكتشفنا أن مجرد الاتفاق على العناوين العريضة ليس نهاية المسار، نظراً إلى تشابك المواضيع وتشابك مصالح الدول في المنطقة، ولاسيما في الشأن السوري الذي يعتبر الفالق الأساسي المؤثر في زلازل المنطقة بأسرها، وكما يقال فإن الشيطان دائماً يكمن في التفاصيل.
حصول الاجتماع بين الرئيسين الأميركي والروسي اعتبر أمراً إيجابياً بحد ذاته، ويدعو للتفاؤل، خصوصاً إذا ما أخذنا تصاريح الجانبين الروسي والأميركي التي أعقبت الاجتماع، حيث وصف الرئيس الأميركي الاجتماع مع بوتين بأنه كان رائعا، أضف إلى ذلك ما صدر عن الرئيس الروسي خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء حيث قال: يبدو أن الجانب الأميركي أصبح أكثر براغماتية فيما خص الملف السوري وأنه جرى الاتفاق على أمور عدة وأهمها تعزيز سبل مكافحة الإرهاب.
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون كان أكثر حذراً حيث قال: إن الأمور بيننا وبين الجانب الروسي تحتاج إلى متابعة دقيقة وإلى الكثير من البحث والمتابعة فيما خص مناطق خفض التصعيد وبخاصة نتائج اجتماع الأردن وروسيا، في إشارة إلى منطقة الجنوب السوري حيث الحدود مع الكيان الصهيوني.
الرئيس بوتين لم يتأخر أيضا في الرد على تيلرسون وكلامه عن الرئيس بشار الأسد حيث قال: إن مستقبل سورية والرئيس الأسد يحدده فقط الشعب السوري وليس وزير خارجية أميركا، وبدا رداً واضحاً لجهة عدم السماح لأميركا بتحديد مستقبل سورية.
إنها إشارات واضحة لاستمرار الخلاف بين الجانبين، وإذا ما تعمقنا أكثر لوجدنا أن أموراً توجب علينا القراءة المتأنية في محاولة لتلمّس طريق المرحلة القادمة ومجريات الأمور التي تقودنا لاستكشاف الإيجابية فيها من عدمها.
المتعارف عليه تاريخيا، أن أي اجتماع بين رئيس يمتلك قرار بلده ولديه الإمكانية لتنفيذ ما اتفق عليه، وآخر ضعيف متقلب لا يملك القرار في بلده ولا القدرة على تنفيذ أي قرار يتخذه، فإن هذا الاجتماع لا يعوّل عليه لأن النتائج ستكون غير متكافئة في الشكل والمضمون وهذا ما حصل تماماً بين بوتين وترامب في هامبورغ.
ولو فرضنا أن اتفاقاً قد تم بين الرجلين خصوصاً لجهة التعاون في تحديد مناطق خفض التصعيد في سورية لأدركنا أن الرئيس الروسي لديه القدرة والنيّة الصادقة لتنفيذ ما اتفق عليه لكن لنسأل: هل إن الرئيس الأميركي لديه النية والقدرة لتنفيذ ما اتفق عليه؟ خصوصاً أن ترامب نفسه اشتُهر بمواقفة المتقلبة التي لا تصمد سوى ساعات قليلة ثم يبادر إلى الانقلاب على ما تم الاتفاق عليه نظراً إلى معاناته مع أجنحة إدارته وتقييد تنفيذ قراراته مما يسمى الحكومة العميقة في أميركا المتمثلة بمكتب الأمن القومي والبنتاغون ومكتب المخابرات الخارجية، تلك الأجنحة التي تعتبر المسؤولة عن رسم سياسات أميركا الخارجية وعلاقاتها مع الدول.
بناء على ما تقدم يأخذنا التحليل للسؤال هل ستسمح الحكومة العميقة في أميركا للرئيس ترامب بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بينه وبين بوتين؟
الأمر المؤكد هو أن الحكومة العميقة في أميركا مبنية على أسس العداء لروسيا وسياسياتها في المنطقة، ونادراً ما تتوافق معها إلا ضمن إطار تأمين المصالح المشتركة أمنياً واقتصادياً، إضافة إلى مصالح الكيان الصهيوني أمنياً وسياسياً، وغالباً ما تتم على حساب أمن واقتصاد دولنا العربية.
وعلى الرغم من إصدار البيت الأبيض بياناً يعتبر فيه أن الاتفاق على خفض التصعيد في الجبهة الجنوبية الغربية المحاذية للكيان الصهيوني مدخلاً للحل السياسي في سورية، إلا أنه ومن خلال القراءة المتأنية نرى أن مثل هذا الاتفاق يكتنفه الكثير من الغموض ويلزمه التوضيح والتفسير خصوصاً إذا ما أخذنا بالحسبان طلب أميركا ومن خلفها إسرائيل ضرورة انسحاب إيران وحزب اللـه من تلك المنطقة وبعدها من سورية كلها، مع العلم أن الجبهة مع الكيان الصهيوني تعتبر الفالق الأساسي في مواجهة إسرائيل الممتدة من الجولان وصولا مع الناقورة في لبنان.
يبقى السؤال هل ستطلب روسيا انسحاب إيران وحزب اللـه من سورية من أجل تأمين مصالح وأمن إسرائيل خاصة بعد كل التضحيات التي تم تقديمها في سورية وتعريض الحلف الإستراتيجي بين البلدين إيران وسورية للاهتزاز؟
مما لا شك فيه أن العلاقات بين روسيا وإسرائيل علاقة جيدة، وأن روسيا تريد الحفاظ على إنجازاتها المتراكمة على الساحة السورية، وفي الوقت نفسه فإن روسيا لا تريد التفريط بعلاقاتها الإستراتيجية مع إيران وسورية.
من الواضح أننا دخلنا مرحلة تأمين المصالح ومن المبكر جداً معرفة نسبة المكاسب لمجرد اجتماع بين بوتين وترامب، والقادم من الأيام كفيل في توضيح المواقف التي ستبنى عليها المرحلة القادمة التي لن تكون إلا لمصلحة سورية قيادة وشعباً وحلفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن