قضايا وآراء

اللعبة انتهت

| عمار عبد الغني 

يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدأت بتنفيذ استدارة تجاه سورية، فرضتها جملة تطورات تسارعت وتيرتها خلال الأيام القليلة الماضية، يأتي في مقدمتها الانهيار الدراماتيكي للتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة في كل من سورية والعراق جراء الضربات التي تلقتها على يد الجيشين السوري والعراقي على كل جبهات القتال.
الواضح، أن ترامب أصبح أكثر براغماتية لجهة الحل السياسي في سورية، وهو ما تبدى خلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ، ذلك أنه لمسنا تخلي أميركا عن المطالب التي كررتها إدارتاها على مدار السنوات الست الماضية والتي جعلت من الحديث عن حل سياسي بعيد المنال جراء التدخل الأميركي السافر في سورية، حيث كانت تحاول واشنطن بالتعاون مع وكلائها في تركيا والخليج، تفصيل نظام سياسي على مقاس مصالحها وأمن إسرائيل، لكنها اصطدمت بصمود سورية جيشاً وشعباً وقيادة، جعلها ترضخ في النهاية لحكم الأمر الواقع وتسلم بالرؤية السورية للحل.
التبدل في الموقف الأميركي لم يكن نتاج حرص واشنطن على دماء السوريين التي أريقت بفعل الدعم الغربي لمسلحي القتل الجوال، وإنما بفعل وقائع الميدان التي فرضتها انتصارات الجيش العربي السوري، وإدراك واشنطن المسبق بأن عودة «الجهاديين» إلى بلاد المنشأ باتت قريبة جداً، وبالتالي لابد من التحرك سريعاً لتنفيذ الانعطافة والتعاون الجدي في مكافحة الإرهاب قبل أن تحرق النار التي اكتوى بها الشعب السوري، شعوب القارة العجوز وأميركا نفسها.
لأول مرة منذ اندلاع ما سمي «الربيع العربي» تبتعد الإدارة الأميركية عن سياسة اللعب على الحبال والإدلاء بتصريحات حمالة أوجه وتأويلات، فكان اتفاق بوتين مع ترامب على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، وهذا يعني بالضرورة أن تضغط واشنطن على الدول الممولة للتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة بمختلف مسمياتها لوقف دعمها والالتزام بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والمتعلقة بتجفيف منابع الإرهاب ووقف كل أشكال الدعم له كمقدمة لبناء تحالف جاد لمحاربته والذي لن ينجح ويصل إلى نتائج سريعة، إلا عبر التعاون مع الدولة السورية.
بالتأكيد الاستدارة الأميركية حصلت لأن حسابات حقل واشنطن لم تأت على حساب بيدرها، فقبل أشهر قليلة قالت دبلوماسيتها: إن القضاء على داعش في الموصل يحتاج إلى سنوات طويلة لتفاجأ بالأمس باندحاره منها، وربما كان ذلك بمثابة جرس الإنذار لها لتبديل إستراتيجيتها الاستثمارية في الإرهاب قبل أن يندحر أيضاً من سورية، وعندها لن تجد من يحفظ ماء وجهها. وعليه فإن «اللعبة انتهت» كما قال السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد وعلى واشنطن أن تلملم أوراقها الملوثة بدماء السوريين والمتمثلة بالتنظيمات الإرهابية التي استخدمتها خلال السنوات الماضية لإنهاك الجيوش السوري وتدمير البنى التحتية كرمى لعيون «إسرائيل».
ما قامت به إدارة ترامب بالأمس خطوة بالاتجاه الصحيح وينتظر منها خطوات أخرى خلال اجتماعات الجولة السابعة من الحوار السوري التي انطلقت في جنيف، ويأتي في مقدمتها وقف التصعيد وعدم وضع العصي في عجلات الحل السياسي وجعل السوريين يقررون مستقبل بلدهم بأنفسهم دون أي تدخل خارجي، وهذه أكبر خدمة يمكن أن تقدمها واشنطن لسورية والمنطقة في هذه المرحلة، أو على الأقل تكفر من خلالها بشيء بسيط عما اقترفته من إجرام بحق هذا البلد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن