قضايا وآراء

الصين حارس الشرق.. و«طريق الحرير» لا يدرك نهايته إلا بعد الوصل بين العراق وسورية

| قحطان السيوفي

مستقبل العالم يعتمد بشكل عام على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، الإمبراطورية القديمة والقوة العُظمى الصاعدة؛ وروسيا التي استطاعت تأكيد مركزها كقوة عالمية كبرى أخافت الغرب وتحدت عقوباته الاقتصادية الظالمة، وما جعل هذه العلاقات صعبة ومعقدة بشكل خاص، هو انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب المركزي النزعة في الولايات المتحدة والمتهور القادم من عالم الأعمال، وصعود تشي جين بينج، رجل الصين القوي، وشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المميزة الذي أكد في آخر لقاء مع نظيره الصيني توافق وجهات النظر حول تراجع الهيمنة الأميركية في العالم، وبالمقابل انعقدت قمة مجموعة العشرين في هامبورج الألمانية، وسط صخب سياسي عالمي، في ساحة دولية غير مُستقرة، ولم تتضح بعد نتائج اللقاء الأول بين بوتين وترامب.
ما يهمنا هنا أن المارد الصيني أصبح الأقوى في شرقي آسيا، خاصة بعد سياسة ترامب الانعزالية التي اعتمدت شعار «أميركا أولاً»، وترجمت بتعليق ترامب عضوية الولايات المتحدة الأميركية باتفاقية الشراكة في المُحيط لهادي، ما جعل الرئيس الصيني تشي، حارسا قوياً لشرق آسيا ومواجهاً حازماً للهيمنة السياسية والاقتصادية لواشنطن في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي.
من الواضح أن ثمة مفارقة بل تناقضاً في وجهات نظر بكين وواشنطن حول الاقتصاد العالمي يظهره التباين في الدعم القوي للعولمة الذي قدّمه الرئيس تشي في الاجتماع السنوي لمنتدى الاقتصاد العالمي لهذا العام في دافوس، وفي تأكيد ترامب الصارخ حول أن «الحمائية ستؤدي إلى ازدهار وقوة عظيمين».
تشي جين بينج، الذي منح أخيراً لقب «القائد الأساسي» للصين، رجل من أولوياته تطهير أجهزة الدولة من الفساد، وإصلاح الاقتصاد، ومن طموحاته مواجهة الهيمنة الأميركية على العالم، ويشعر المحللون بالتفاؤل إزاء التوقعات الاقتصادية في الصين خلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الحالي، في الوقت الذي يبدو فيه أن الوقت قد حان لتضطلع الصين بدور أكبر على الساحة العالمية، وعمل التجييش الناجم عن وصول ترامب إلى سدة الرئاسة وقرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي، لإظهار واقع جديد، أن الأغلبية الساحقة لاستثمارات الصين وتحالفاتها الدبلوماسية هي في العالم النامي، لكن رؤية الصين تتضمن وجود عولمة من دون الليبرالية، حيث قال تشي: «ستختار الصين وتنتقي الأجزاء من النظام العالمي الليبرالي، التي تكون صالحة بالنسبة لها»، وفي أحدث تقرير اقتصادي عن الصين، حدد البنك الدولي 27 من «الإصلاحات الرئيسية» التي حققتها البلاد، 20 منها كانت تستهدف تحسين تخصيص رأس المال.
المعلق الثقافي الصيني الأميركي والمسؤول التنفيذي السابق في مجموعة التكنولوجيا «بايدو» كايسر كو، يشير إلى أن «زعماء الصين واقفون على «حفرة نارية من النزعة القومية، وهم يحملون مروحة في يد وخرطوم ماء في اليد الأخرى، ومن خلال الخرطوم يمكنهم أيضاً حماية المصالح القومية الصينية»، كما وتكشف دراسة استقصائية أجراها مصرف «ستاندرد تشارترد» الأسبوع الماضي أن أكثر من 60 في المئة من المستثمرين يعتبرون الصين واحدة من أولوياتهم الثلاث الخاصة بالعام المقبل، بزيادة 50 في المئة تقريباً عن العام الماضي.
وبعد مرور 20 عاماً على الأزمة المالية الآسيوية، لا تزال بكين تحافظ على ضوابطها الصارمة على حسابها الرأسمالي، وأحد أهداف ذلك هو ضمان أن رأس المال الأجنبي الذي تحتضنه الصين يمارس نشاطه ضمن الشروط الوطنية الصينية، وبدأت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تحويل نموذجها للنمو من اقتصاد قائم على التصدير والاستثمار إلى اقتصاد يركز على الاستهلاك، ونظرا لضخامة الاقتصاد الصيني، فستظهر التداعيات بإحدى طريقتين: إما من خلال الصين ذاتها، وهو ما نسميه الروابط المباشرة، أو من خلال تأثير الصين في النمو العالمي كله، وهو ما نسميه الروابط غير المباشرة.
بالنسبة للروابط المباشرة لا تزال اقتصادات منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز وآسيا الوسطى، شديدة الاعتماد على السلع الأولية، وبعضها يصدّر إلى الصين، ومع تحول الصين إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك، من المرجح أن يستمر طلبها على النفط والغاز من دون تغيير كبير، وقد يرتفع مع زيادة الاستهلاك، ومن ثم فلن تتأثر التجارة سلبا بعملية تعديل التوازن في الصين، الروابط غير المباشرة ؛ نظرا لحجم الصين، ومن المرجح أن تنتقل تداعيات تباطئها الاقتصادي إلى بقية أنحاء العالم من خلال التجارة وأسعار السلع الأولية ومستوى الثقة، فعلى سبيل المثال، إذا انخفض النمو في الصين بواقع نقطة مئوية واحدة، فسيتَرجم هذا إلى انخفاض قدره ربع نقطة مئوية في نمو مجموعة العشرين، وسيؤدي تباطؤ النمو العالمي إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط، ما يؤثر في البلدان المصدرة له.
من المتوقع أن تستفيد منطقة القوقاز وآسيا الوسطى بدورها من مبادرة «حزام واحد.. طريق واحد» الصينية التي تسعى إلى زيادة الربط والتعاون بين بلدان أوراسيا، ويمكن أن تؤدي هذه المبادرة إلى زيادة الاستثمار، غالبا في البنية التحتية، في القوقاز وآسيا الوسطى بنسبة تصل إلى 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنوياً على مدار السنوات الخمس القادمة، وسوف تجني المنطقة مكاسب كبيرة، إذ إن زيادة العبور على طول الحزام (طريق الحرير) المعني بالمبادرة، ستتيح فرصة أمام البلدان لزيادة مبيعاتها للخدمات المتعلقة بالعبور، وسيستمر طريق الحرير في مساره الآسيوي ليصل إلى الشواطئ السورية؛ رغم المحاولات اليائسة لدول التحالف الأميركي الأوروبي الإسرائيلي والدول الإقليمية التابعة لها لقطع طريق بغداد دمشق.
بالمقابل الصين وروسيا ودول بريكس الأخرى مؤيدة للدولة السورية في محاربة الإرهاب، والدولة الصينية تؤكد تفعيل الشريان الاقتصادي (طريق الحرير) المسمى «حزام واحد.. طريق واحد» العابر لآسيا، وسيستمر في زخمه واندفاعه اقتصادياً وحتى سياسياً ليعبر في نهاياته الآسيوية الجغرافيا الإيرانية والعراقية وأخيراً السورية ليصل بسلاسة إلى البحر الأبيض المتوسط، بعد أن يستكمل الجيش العربي السوري تحرير مناطق البادية السورية من رجس الإرهاب، وسيكون وصول طريق الحرير إلى نهاياته الآسيوية على الشواطئ السورية، إعلاناً بانتصار سورية وحلفائها على الحرب الظلامية الإرهابية وعلى الدول الممولة والداعمة لها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن