ثقافة وفن

جائزة الدولة التقديرية قيم جمالية وأدبية وروحية … وزير الثقافة: جميل أن نرى رجال الثقافة يبدعون في أحلك الظروف قتامةً.. وسط الدمار … حسن .م. يوسف: تكريمي اليوم فيه لصحيفة «الوطن» دور لأنها أعطتني رئة ثالثة أتنفس من خلالها عندما عزّ الهواء

| سارة سلامة – «ت: طارق السعدوني»

كم هو جميل في بلد يمرّ بأزمة وحرب خانقة أن يفكر بالقيم الجمالية وكم هو جميل أن يصغي إلى الصوت الصاخب الذي ينتشله من كل هذا الضجيج، يبحث عنه هارباً ومستبشراً بالأمل الذي يغوص في أعماقه، هذا السواد الذي أرادوه ورسموه من غير الممكن أن نراه في بلد ولّاد للإبداع ورائد دائماً بكل مجالات الفنون، فاليد التي تحارب وتقهر الغزاة ماسكة على الزناد تحمل في يدها الأخرى كل معاني الفن والثقافة والجمال لتحفظ به تراثنا وحضارتنا الراسخة في عمق التاريخ لنقول للعالم إن مسيرة الإبداع لا يمكن أن تنتهي أو تموت.
ثلاث قامات أدبية وغنائية ورجل دين عالم كانوا اليوم تحت المجهر السوري ينبضون عشقاً من قلب دمشق لينشروا رسالة إلى العالم أجمع واعدين بمستقبل مشرق وجميل.
وبحضور وزير الثقافة محمد الأحمد وعدد من الشخصيات السياسية والأدبية والفكرية أقامت وزارة الثقافة حفل تسليم جوائز الدولة التقديرية لعام 2017 للفائزين، في مجال النقد والدراسات والترجمة للأب الياس زحلاوي، وفي مجال الفنون للفنانة ميادة حناوي، وفي مجال الأدب للأديب حسن م يوسف وذلك على مسرح قاعة الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون.
وسلم كل من عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الدكتور مهدي دخل اللـه ووزير الثقافة محمد الأحمد في ختام الحفل جائزة الدولة التقديرية وميدالية ذهبية مع براءتها للفائزين.

أمانة للأجيال القادمة

وفي تصريح للصحفيين أكد وزير الثقافة محمد الأحمد أن: «سورية صمدت وانتصرت بفضل قائدها وجيشها وأبنائها المخلصين المدافعين عنها، كما أنها صمدت وانتصرت بفضل ثقافتها العريقة الممتدة في جذور التاريخ الإنساني وما تحمله من غنى أثري في المجالات كافة، فالثقافة هي الوجه الآخر لانتصارات الوطن والمعادل الموضوعي لتضحيات الجيش وضباطه، وأبناء هذا الجيش هم الذين صنعوا انتصارات مذهلة سيتحدث عنها التاريخ الحضاري والثقافي للأمم جميعاً، مشيراً إلى: «سعادة المرء العظمى حين يرى رجال الثقافة يبدعون في أحلك الظروف قتامةً، ويتألقون وسط هذا الدمار الذي أرادته لنا قوى عظمى، فلم يتخلوا عن حمل أقلامهم وريشهم وآلاتهم الموسيقية، فأبدعوا تاريخاً إنسانياً سيتحدث عنه كل من سيأتي بعدنا، ونحن نسلم الأمانة للأجيال القادمة، لترى كم كانت سورية مبدعة في زمن الحرب وفي أزمان الشدة، مضيفاً: إن كل ما تم اليوم في دار الأسد للثقافة والفنون هو ترجمة حقيقية لدعم الرئيس بشار الأسد للفن والمبدعين رغم كل الظروف».
واستهل الأحمد كلمته التي ألقاها مباركاً فيها للفائزين بالجائزة ومتمنياً لهم مزيداً من التألق والإبداع، وشكر جهودهم التي بذلوها من أجل تقديم صورة ناصعة وحقيقية عن حضارة سورية العريقة وإرثها الغنيّ ومساهمتها الكبيرة في التاريخ الإنساني، موضحاً أن سورية تحظى بطاقات هائلة كمّاً ونوعاً على الرغم من الحرب الظالمة التي تشن عليها، فهناك وفرة من المبدعين في الشعر والقصّة والرواية والمسرح والفنون كافة وهم لم يتوقّفوا عن ممارسة دورهم وزادتهم الحرب إصراراً وصموداً وتحدّياً وتناغموا مع جيشهم وشعبهم.
وعبر الأحمد عن فرحه عند رؤية رجال الثقافة السوريون مصرّين على مواصلة العمل والإنتاج في أصعب الظروف، وعلى حمل أقلامهم وريشهم وآلاتهم الموسيقية تحت القصف والقذائف والغدر، مؤكداً أن سورية صمدت وانتصرت بفضل قائدها وجيشها وأبنائها الصامدين وبفضل ثقافتها العريقة وحضارتها الممتدة في التاريخ.
وأفاد الأحمد أن: «إرادة السوريين تكمن في المضي قدماً على الطريق التي يشقّونها اليوم بصلابة واقتدار، من أجل إعلاء كيان الحبّ والحياة والخير والجمال، فالمهرجانات الشعرية والمسرحية والعروض السينمائية والحفلات الموسيقية التي تقام كلّ يوم تشكل إيقاعاً يومياً لحياتنا الثقافية التي تأبى الرضوخ لمنطق الإرهاب».

أقصى القداسة تراب دمشق
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال الأديب حسن م يوسف إن: «هذا التكريم من صحيفة «الوطن» فيه حصة لأنها أعطتني رئة ثالثة أتنفس من خلالها عندما عز الهواء، وهذا التكريم بالنسبة لي مهم جداً ويعني أن الناس الذين فكرت بهم عمراً فكروا بي أخيراً وهذا شيء جميل لأننا عادةً لا نفكر بكتابنا إلا عندما يودعوننا ويموتون، ولذلك أوجه الشكر للجنة الجائزة وعلى رأسها وزير الثقافة محمد الأحمد وأشكر كل من جاء إلى هذا التكريم لأن حضورهم هو جائزة بحد ذاتها».
وتحدث الأديب حسن م يوسف في كلمته قائلاً: «التفت خلفاً لأستعرض العمر الذي قضيته رفيقاً للكلمات، أحاول أن أخمن ماذا فعلت بي وماذا فعلت بها، أرى أنني حاولت وسع جهدي أن أقول لكم من أنا كي أستحق شيئاً من حبكم، وأعبر لكم عن ضمير عصري المثقل بالذنوب كي تغيروه، أرى أنني حاولت أن أجعلكم تضحكون، وأقول الحقيقة المرة كي تتقبلوها مني، آمنت باكراً أننا لم نعط الكلمات كي نختبئ خلفها، آمنت باكراً أن الجمال هو خبز الروح، وأن الكلمة التي لا تجعل الإنسان أرقى وأنقى وأسمى وأبهى هي مجرد كتابة على الهواء والماء، اكتشفت باكراً أن الخوف أسوأ من الاعتقاد لأنه ضربٌ من الاعتقاد الذاتي، وعندما كتبت فيلم صلاح الدين قبل 17 عاماً صرخت بإخوتي العرب أطلقوا سراح عقولكم، لكن الصرخة ترددت والفيلم لم يشاهد من قبل من يجب أن يشاهدوه، التفت خلفاً أحاول أن أتلمس خصوصية الطريقة التي تدفقت بها عبر الزمن».
وتوجه يوسف بالشكر الغامر لجائزة الدولة التقديرية وعلى رأسها وزير الثقافة محمد الأحمد وقال: «قبل كل هؤلاء وبعدهم أود أن أنحني تقديراً وامتناناً لجنود وقادة جيشنا الوطني العربي السوري الذين صانوا وحدة التراب الوطني وحرسوا أيامنا وليالينا ومكنونا من أن نعيش ونكتب ونحتفل ونحظى بالتكريم وهم الأجدر بأن يعيشوا ويحتفلوا ويكرموا، أنحني لكل شهداء الجيش السوري الذين ضحوا بأرواحهم الجميلة والنبيلة كي تكون هذه اللحظة ممكنة وأرى بينهم ابن أختي الشهيد حسن الشيخ وابن أخي الشهيد سعيد يوسف».
وختم يوسف حديثه بالكلمات التالية: «أقصى الصلابة فولاذ دمشق، أقصى النعومة بروكار دمشق، وأقصى العذوبة فيجة دمشق، أقصى الجمال نساء دمشق، أقصى الدماثة إنسان دمشق، أقصى البطولة يوسف العظمة دمشق، أقصى القداسة تراب دمشق.. شكراً دمشق».

همي الكبير هو الإنسان
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد الأب الياس زحلاوي بأنني: «لم أكن يوماً أحلم بجائزة وكنت أحاول أن ألتقط حاجات الناس بدءاً من الأطفال والشباب، وأعتقد أنني قدمت بعض ما كانوا بحاجة إليه، وعندما أنظر إلى بعض الإنجازات مثل إنجاز «جوقة الفرح» وإنجاز «الرعية الجامعية» و«فرسان المحبة» أشعر بالطمأنينة، وأقول: فضل الرب عليّ كبير لأنه أتاح لي أن أقدم شيئاً لوطني وهو اليوم في أقسى المحن، فالحرب التي تشن على سورية لم تشن مثلها أبداً وهي اليوم راسخة وصامدة بتضحيات شعبها وجيشها وبقيادة كل فردٍ من أفرادها وإن كان عدد من أبنائها قد خرج لسبب أو لآخر ولكن كلي ثقة بأنهم سيعودون».
وقال الأب الياس زحلاوي في كلمته: «كان حسبي في كل ما قدمته أن يكون انعكاساً لما يمليه علي الواقع الذي أعيشه في وطني بالكلمة المغناة والموضوعة والمترجمة، وكان همي الكبير في كل ما عملت به هو الإنسان في سورية والوطن العربي والعالم، حيث اكتشفت بفضل تعاوني مع الشباب في سورية قضايا مطروحة وحساسة من أهمها نزعة الهجرة لدى الشباب الجامعي منذ عام 1962، ولمست أن هؤلاء محرومون من الفرح لكونهم كانوا يعانون من أمور ضاغطة لا تتيح التعبير بالكلمة الحرة عن أعماقهم».
وأوضح الأب زحلاوي أن: «ما يحدث اليوم في نطاق ما يسمى الربيع العربي هو ترجمة حرفية للفساد الذي استشرى، وباتت فيه بعض القيادات العربية تبيع دولها وشعوبها للعالم أجمع ولاسيما للكيان الصهيوني الذي زرع في أرضنا وأخذ يبتلعنا شيئاً فشيئاً ويؤلبنا على بعضنا»، مستعرضاً مؤلفاته البحثية وترجماته التي تناولت التعايش بين أبناء الديانات السماوية في سورية والخطر الذي تمثله السياسات الأميركية إزاء شعوب الأرض، وأن الهدف من تأسيس جوقة الفرح هو بناء جسور روحية بين أبناء الوطن الواحد في سورية ومع الوطن العربي والعالم».
وختم الأب زحلاوي كلمته قائلاً «لقد منّ اللـه علي أن أخلق وأعيش في سورية وأنطلق منها للعالم لأقول: من أراد أن يكرم اللـه فليكرم الإنسان، ومن أراد أن يصلي فليتصل بالإنسان، وهذا بنظري أهم وجوه أي بحث يستطيع فرد أن يقدم عليه وكل الأبحاث خارج الإنسان لا قيمة لها».
سورية مستمرة في الحياة

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال عضو القيادة القطرية مهدي دخل اللـه إن: «هذا التكريم له أبعاد كثيرة وأعتقد أن أهمها هو الدليل على أن سورية مستمرة في الحياة بجميع مناحيها وخاصة مناحي الثقافة ومناحي التميز والإبداع، فاليوم لدينا ثلاثة مبدعين من فروع متعددة في الإبداع في مجال البحث والفن والأدب وهي الفروع الرائدة في الثقافة، كل هذا يؤكد أن الإبداع لا يزال موجوداً في سورية وهي مثلها مثل طائر الفينيق الذي يبدع دائماً ويخرج حياً ونشيطاً من الرماد».
بدورها قالت الإعلامية هيام الحموي إنه: «وفي ظل الحرب هناك أشخاص يستحقون التكريم وخصوصاً الذين دافعوا عن الحقّ والوطن، وكلٌّ على طريقته بين الفنّ والدين والأدب، وهذه العناصر الثلاثة من المفروض أن تساعد في الصمود، وتكريم المبدع دليل وأمل بأن الغيوم بدأت تنقشع رويداً رويداً عن بلدنا، مضيفة: إن هؤلاء المبدعين نماذج من الإنسان السوري المعطاء، فالفنانة ميادة الحنّاوي نجمتنا التي نرفع رأسنا بها أينما كنّا. والأب زحلاوي كان يقول لي دائماً «لا تخافوا على سورية فالحقّ مع سورية لذا ستنتصر»، والأستاذ حسن م. يوسف الذي يغنينا دائماً بأفكاره الرائعة وبمقالاته ولقاءاته، وبدوري أشكر دولتنا التي كرمت هذه القامات الرائعة رغم الأزمة التي تمرّ علينا».

جائزة الدولة أعلى تكريم
ومن جانبه قال عضو لجنة التحكيم علي القيم إن: «جائزة الدولة التقديرية هي من الجوائز المهمة على صعيد الوطن والتي كان من ضمن شروطها بأن تعطى للمبدعين الذين لم يكرموا سابقاً لا بوسام الاستحقاق ولا بأي جائزة أخرى، وأن يكون المكرم حياً بشرط أن يكون الاقتراع بالسرية وهذا العام تم تكريم الأب الياس زحلاوي والفنانة ميادة الحناوي والأديب حسن م يوسف».
وقال الدكتور راتب سكر إن: «تكريم هذه الثلة من العاملين في حقول الثقافة المختلفة هو تكريم لجوهر الثقافة بوصفه أساساً تقوم عليه النهضة الاجتماعية والروحية لأي مجتمع من المجتمعات، وعندما تختار الثقافة تكريم عدد من العاملين في حقولها فهي تكرم جوهرها لأن هذه الثلة تتحول إلى رمز لهذا الجوهر في توقه إلى مستقبل زاهر».
وبدوره لفت الفنان التشكيلي طلال معلا إلى أن: «جائزة الدولة هي أعلى تكريم يمنح للمبدعين في سورية واليوم كل مبدع يشعر بأنه مكرم لأن هذا التقليد موجود باستمرار ولم تستطع سنوات الحرب ولا الاعتداءات على سورية أن تزيل مثل هذه المناسبة الجميلة، وأرى أن كل المبدعين يستحقون التكريم في سورية، وتمثل هذا الشيء اليوم بشكل مباشر من خلال هذا المزيج الذي نراه من ثلاثة أشخاص أديب ومغنية ورجل دين على علاقة أيضاً بالإبداع والموسيقا بشكل عام، لنقول للآخرين بأن بلدنا ولّاد بالمبدعين صغاراً وكباراً رغم كل الظروف التي نمر بها ونسعى دائماً أن نقدم للإنسانية شكلاً من أشكال الإبداع وأن نكون رائدين في هذا الجانب، وعندما يكرم المبدع في بلده تحت هذه الظروف التي نمرّ بها فهذا نصرٌّ بحد ذاته».
وبدورها شكرت الفنانة ميادة حناوي وزارة الثقافة على هذا التكريم الذي يأتي ضمن مبادرة وطنية تسعى لتكريم المبدعين السوريين، وأعربت عن سعادتها الكبيرة بأن تكرم على أرض بلدها سورية.
هذا ويذكر أن وزارة الثقافة منحت جائزة الدولة التقديرية لعام 2016 للكاتبة ناديا خوست في مجال الآداب وللفنانة سلمى المصري في مجال الفنون وللأديب محمد حسن قجه في مجال النقد والدراسات والترجمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن