اقتصاد

التشاركية.. وصدمة «قاسيون»!

| علي محمود هاشم

بريد متخم انتهى إليه ملف «قاسيون مول» رسائل معنونة في غير اتجاه أفصحت عن الدرك المشين الذي قد تصله تشاركية القطاعين العام والخاص، وما قد يكتنفها من عداوة للعام، ومن باطنه أحياناً!
فالمليار ليرة الفرق بين عقدي المول، سابقاً ولاحقاً، وما بينهما من 50 ضعفا لبدلاته التجارية، هي في الواقع آلاف فرص العمل في المشاريع الصغيرة حرم منها اقتصادنا سنوياً، وهي ضعف الكتلة المالية التي رصدتها الحكومة في سياق مشروعها البارز لتنشيط القطاع بالتشارك مع منظمات المجتمع المحلي، وفي العناوين العامة، فكل ذلك قد يبتلعه بطريقة لا مشروعة، مشروع تشاركي واحد؟!
صدمة «قاسيون مول» شرعنت أيضاً الإحساس الشعبي بالتآمر على مصالحه، وفي المقابل عززت اليقين بأن الأشخاص قد يحدثون فرقاً، وأن الحكومات يمكن لها أن تكون محل ثقته حتى لو تم تجييشه هو ذاته ضدها، فمع ما تلقته من ضربات تحت الحزام، خاضت الحكومة معركة «المول» عبر جولة خاطفة أنهتها بضربة مستقيمة قاضية، مديرة ظهرها لما حاول اللحاق بها من تشكيك حتى من بعض الإعلام الوطني الذي سعى – يدري أو لا يدري- لإعادة إنتاج أيام خوالٍ مجيّشاً حبر الدفاع عن مصالح بالية، وهو المطوّب مدافعاً عنها؟!.. وللمفارقة، فقد كان لكل ذلك أن يعيد الاعتبار للدور الحكومي الأبوي الذي يصيب المرء بالدوار، فرغم ما قد يسوقه فساد البعض من وبال عظيم على المصالح العامة تارة، يبرز في أخرى كحل وحيد يمكن الركون إليه في صيانتها؟!.
رغم مروحة المتربصين، نجحت وزارة التجارة الداخلية بإلقاء موعظتها الثانية عن الاحمرار الشديد لخطوط المصلحة العامة، فبعد نحو ثلاثة الأشهر من «حرب البطاطا» التي خاضتها على جبهة «البازار»، أعادت الاعتبار اليوم لقدرة الحكومة على انتزاع الحقوق طالما توافرت الإرادة، وطالما تحلّى مسؤولوها باستعداد كاف للتخفف من طقوس الإشارات وامتشاق سباباتهم عالياً، للتخفف من مسؤولياتهم بالحفاظ على المال العام!!.. هذه العادة الكئيبة التي كلّفتنا ما كلفتنا، تتكئ إلى إحساس غامض يساور بعضهم بأن مجرد حضورهم في حيواتنا كاف للقبول بقدراتهم المتواضعة وتقاعسهم حتى عن الهمس في معارك المصلحة العامة!.. وهذه موعظة أخرى لا جدوى من إلقائها ما لم تحظ الدراسة النفسية بحصتها في قراءة عيون مسؤولينا، قبل تنصيبهم.
رسالة مريرة أخرى مررها «قاسيون مول» لا تقل قنوطاً، فوفق ما نقل عن مؤتمر الاستثمار، وتزامنه مع اشتعال ملف «قاسيون»، أثار ذهاب بعض القطاع الخاص إلى إيقاظ أساطير ومخاوف مصطنعة من «التأميم» الريبة حيال جدية شراكته الوطنية، فبعدما تصاعد زئبقه في ميزان الوجدان الجمعي مؤخراً، عاد ليشعل الشكوك في ثيابه بسعيه لتثبيت الحكومة لحظة اندفاعها نحو استعادة حقوقها في «قاسيون»، وإن صحّت هذه الشكوك، ثمة ضرورة لحمايته من نفسه وكبح أحاسيسه الخرافية عبر رزمة من المواعظ تذكيراً بما قد يجرّه اجتزاء نموه الخاص من صلب التنمية الشاملة.
في المجمل، لم يكن السؤال يوماً يتعلق بأهمية التشاركية في إطلاق التنمية، فما بلك بعدما عظّمتها الحرب جاعلة من تأخرها جرماً اجتماعياً يرتكب «فوات عوائد» اقتصادية، وتمهيداً لا بريئاً للخصخصة القسرية، إلا أن رسائل «قاسيون» المتناقضة، المرير منها والمفعم بالحوكمة، تؤكد أن ما نراه فوهة للتنمية الشاملة، لن يتوانى الفساد عن اتخاذه درباً لتسلل معاكس لبث الروح في جنين سفاحه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن